صوم النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي 13
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن علي، عن عبد الرحمن، قال: حدثنا ثابت بن قيس أبو الغصن، شيخ من أهل المدينة، قال: حدثني أبو سعيد المقبري، قال: حدثني أسامة بن زيد، قال: قلت: يا رسول الله، إنك تصوم حتى لا تكاد تفطر، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم، إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما، قال: «أي يومين؟» قلت: يوم الاثنين ويوم الخميس، قال: «ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم»
كان الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عنهم يَرقُبونَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في عِباداتِه ومُعاملاتِه وفي كلِّ حَياتِه، ومن ذلك مُراقبتُهُم له في صِيامِه؛ الْفَرضِ منه والتَّطوُّعِ؛ لِيتعلَّموا منه
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أُسامةُ بنُ زيدٍ رضي اللهُ عنه: "قُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّك تَصومُ حتَّى لا تكادَ تُفطِرُ، وتُفطرُ حتى لا تَكادَ أن تَصومَ"، أي: إنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان صِيامُه للتَّطوُّعِ في شَهرٍ يَستمِرُّ فيه حتَّى يَظُنَّ الظَّانُّ أنَّه يُتِمُّ صومَه إلى آخِرِه، وإذا أفطَرَ في شَهرٍ يَستمِرُّ فيه حتَّى يَظُنَّ الظَّانُّ أنَّه يُتِمُّ فِطرَه إلى آخِرِه، "إلَّا يومَيْن إنْ دَخَلَا في صِيامِك وإلَّا صُمتَهُما"، أي: يكونُ الصِّيامُ دائمًا فيهما حتَّى ولو مرَّا عليه في شهرِ فِطرِه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أيُّ يَومَينِ"؟ فقال أُسامةُ رَضِي اللهُ عنه: "يومُ الإثنَينِ ويَومُ الخَميسِ"، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "ذانِكَ يَومانِ تُعرَضُ فيهِما الأعمالُ على ربِّ العالمينَ"، أي: أعمالُ بَني آدمَ منَ الخيرِ والشَّرِّ والطَّاعةِ والمَعصيةِ؛ "فأُحِبُّ أن يُعرَضَ عَملي وأنا صائمٌ"، أي: فَينبغي أن تَكون الأعمالُ فيهما صالِحةً، وإنَّ الصَّومَ مِن أفضلِ الأعمالِ، أو إنَّ الأعمالَ الصَّالحةَ إذا صاحَبَها الصَّومُ رَفعَ مِن قَدرِها وأثبَتَ خُلوصَها للهِ عزَّ وجلَّ
وقد جاء في الصَّحيحَينِ مِن حَديثِ أبي موسى الأشعَريِّ رضِي اللهُ عنه: "يُرفَعُ إليه عَملُ اللَّيلِ قبلَ عَملِ النَّهارِ، وعَملُ النَّهارِ قبلَ عَملِ اللَّيلِ"؛ فيَحتمِلُ أنَّه يُعرَضُ عليه تَعالى أعمالُ العِبادِ كلَّ يومٍ، ثمَّ تُعرَضُ أعمالُ الجُمُعةِ في يومِ الإثنينِ والخَميسِ، ثُمَّ أعمالُ السَّنةِ في شَعبانَ كما في رِوايةِ النَّسائيِّ، ولكُلِّ عَرضٍ حِكمَةٌ
وفي الحديثِ: إنَّ أعمالَ التَّطوُّعِ لَيستْ مَنوطةً بأوْقاتٍ معلومةٍ، وإنَّما هي على قَدْرِ الإرادةِ لها والنَّشاطِ فيها
وفي الحَديثِ: إنَّ يَومَي الإثنينِ والخميسِ مِن الأيَّامِ المُرغَّبِ فيها بالصَّومِ