صيام يوم الشك 2
سنن النسائي
أخبرنا قتيبة، قال: حدثنا ابن أبي عدي، عن أبي يونس، عن سماك، قال: دخلت على عكرمة في يوم قد أشكل من رمضان هو أم من شعبان، وهو يأكل خبزا وبقلا ولبنا، فقال لي: هلم، فقلت: إني صائم، قال وحلف بالله: لتفطرن، قلت: سبحان الله مرتين، فلما رأيته يحلف لا يستثني تقدمت قلت: هات الآن ما عندك، قال: سمعت ابن عباس، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن حال بينكم وبينه سحابة أو ظلمة، فأكملوا العدة عدة شعبان، ولا تستقبلوا الشهر استقبالا، ولا تصلوا رمضان بيوم من شعبان»
جعَل اللهُ عزَّ وجلَّ رُؤيةَ الهلالِ إيذانًا ببِدايةِ كلِّ شَهرٍ، وميقاتًا للنَّاسِ؛ حيث تترتَّبُ على تلك الرُّؤيةِ نُسُكٌ ومَشاعِرُ وفَرائضُ جَليلةٌ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ ابنُ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: "صُوموا لرُؤيَتِه"، أي: ابْدَؤوا واشْرَعوا في صومِ رَمضانَ عندَ رُؤيةِ هِلالِه، "وأَفطِروا لرؤيَتِه"، أي: وَيَنتهي الصَّومُ عند رُؤيةِ هِلالِ شوَّالٍ، "فإنْ حال بَينَكم وبينه"، أي: رُؤيةِ الهِلالِ، "سَحابةٌ، أو ظُلمةٌ"، أي: منَعَت رؤيتَه فلَم يُستَطَعْ معها تَحديدُ مَبدَأِ الشَّهرِ، "فأَكمِلوا العِدَّةَ- عِدَّةَ شَعْبانَ-"، أي: يَكونُ شَعبانُ ثَلاثين يومًا، "ولا تَستقبِلوا الشَّهرَ استِقبالًا"، أي: لا تتقدَّموا شَهرَ رمضانَ بالصَّومِ، "ولا تَصِلوا رمَضانَ بيومٍ مِن شَعبانَ"، أي: النَّهيُ عن صِيامِ يومِ الثَّلاثينَ مِن شَعْبانَ
وسَببُ هذا الحَديثِ أنَّ سِماكَ بنَ حَربٍ دخَلَ على عِكْرِمَةَ مولَى عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ، في يومٍ قد أَشكَل؛ مِن رَمضانَ هو أَم مِن شَعبانَ، والمرادُ به: يومُ الشَّكِّ وهو يومُ الثَّلاثين مِن شَهرِ شَعبانَ، "وهو يَأكُلُ خُبزًا وبَقْلًا ولَبَنًا"، وهذا إشارةٌ إلى إفطارِه وعدَمِ صَومِه، وأَصلُ البَقْلِ: كلُّ نَباتٍ اخضرَّتْ به الأرضُ، والمرادُ هنا: البُقولُ الَّتي اعتاد النَّاسُ أَكْلَها، فقال عِكرمَةُ لِسِماكٍ: "هلُمَّ"، أي: اقتَرِبْ مِن الطَّعامِ، فقال سِماكٌ مُعتذِرًا عن الأكلِ: "إنِّي صائمٌ"، قال عِكرمَةُ، وحلَف باللهِ: لتُفطِرَنَّ، أي: أَقسَم عليه أنْ يدَعَ صَومَه ويُفطِرَ، "قلتُ: سُبحانَ اللهِ- مرَّتين!"، أي: يَتَعجَّبُ مِن إصرارِه وقَسَمِه على أنْ يُفطِرَ، قال سِماكٌ: "فلمَّا رأيتُ عِكرمةَ، "يَحلِفُ لا يَستَثْني"، أي: لا يَستثني شيئًا مِن أنواعِ الصَّومِ في ذلك، يعني: أنَّه أمَرَه بالإفطارِ مِن صَومِه على الإطلاقِ، وربَّما: أنَّه لا يَستثني في قَسَمِه فيَقولُ: إنْ شاء اللهُ، "تقدَّمتُ"، أي: إلى الطَّعامِ، "قلتُ: هاتِ الآنَ ما عِندَك"، أي: حُجَّتَك في إصرارِك على الإفطارِ؛ قال عِكرمةُ: "سَمِعتُ ابنَ عبَّاسٍ يَقولُ:... فذَكَر الحديثَ
وقد ثبَت عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قولُه: "إلَّا أنْ يَكونَ شيءٌ يَصومُه أحَدُكم"، أي: إنَّه ليس نَهيًا عامًّا، بل استُثني منه مَن كان له عادَةٌ؛ كأنْ يوافِقَ الإثنينِ أو الخَميسَ الَّذي يَكونُ مِن عادةِ البعضِ صِيامُه
وفي الحديثِ: الاستجابةُ لأهلِ العِلمِ في دَعْواهم
وفيه: بيانُ حُكمِ صِيامِ يومِ الشَّكِّ