اجتماع جنائز الرجال والنساء 1
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن رافع، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا ابن جريج، قال: سمعت نافعا يزعم، أن ابن عمر صلى على تسع جنائز جميعا «فجعل الرجال يلون الإمام، والنساء يلين القبلة، فصفهن صفا واحدا، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب، وابن لها يقال له زيد وضعا جميعا والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عمر، وأبو هريرة، وأبو سعيد، وأبو قتادة، فوضع الغلام مما يلي الإمام»، فقال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس، وأبي هريرة، وأبي سعيد، وأبي قتادة، فقلت: ما هذا؟ قالوا: «هي السنة»
بيَّنَ الصَّحابةُ رضِيَ اللهُ عنهم سُنَّةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في صلاةِ الجِنازةِ، وما يُفعَلُ فيها؛ تَعليمًا لِمَن جاء بعدَهم، وأداءً للأمانةِ الَّتي عليهم
وفي هذا الحَديثِ يُخبرُ نافعٌ مولى عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهما: "أنَّ ابنَ عُمرَ صلَّى على تِسْعِ جنائزَ جميعًا"، أي: اجتمعَتْ جنائزُ تِسْعٌ، وصلَّى عليها ابنُ عُمرَ رَضِي اللهُ عَنهما، وكانتْ هذه الجنائزُ لرِجالٍ ونساءٍ، والجِنازةُ: اسمٌ للميِّتِ في النَّعشِ، "فجعَل الرِّجالَ يَلُونَ الإمامَ"، أي: قدَّم ابنُ عُمرَ جنائزَ الرِّجالِ وجعَلها مِن جِهةِ الإمامِ، "والنِّساءَ يَلِينَ القِبْلةَ"، أي: وجعَل جنائزَ النِّساءِ أمامَ جنائزِ الرِّجالِ مِن جِهةِ القِبْلةِ، "فصفَّهنَّ صفًّا واحدًا"، أي: جعَل هذه الجنائزَ صفًّا واحدًا في جهةِ القِبلةِ
"ووُضِعَتْ جِنازةُ أمِّ كُلْثومٍ بنتِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ امرأةِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ وابنٍ لها يُقالُ له: زيدٌ، وُضِعَا جميعًا"، أي: عندما أراد أن يُصلِّيَ عليها صلاةَ الميِّتِ، وكانا قد ماتَا معًا، "والإمامُ يومَئذٍ سعيدُ بنُ العاصِ"، أي: إمامُ صلاةِ الجِنازةِ على أمِّ كُلْثومٍ وابنِها، وكان أميرًا على المدينةِ حينَها لمُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ رَضِي اللهُ عَنهم جميعًا، "وفي النَّاسِ"، أي: كان في النَّاسِ الحاضرينَ الشَّاهدينَ للجِنازةِ: "ابنُ عُمَرَ، وأبو هُرَيرةَ، وأبو سَعيدٍ، وأبو قَتادةَ"؛ يُشيرُ إلى عدمِ إنكارِهم على تَرتيبِ الجِنازتينِ، "فوُضِعَ الغُلامُ ممَّا يَلِي الإمامَ"، أي: كانَتْ جنازةُ زَيْدٍ في جِهةِ القِبلةِ ممَّا يَلِي الإمامَ، وكانَتْ جِنازةُ أمِّ كُلْثومٍ بنتِ عليٍّ تَلِي جِنازةَ ابنِها مِن جِهةِ القِبلةِ، "فقال رجُلٌ"، أي: مِن الحاضرينَ، ولعلَّه عمَّارُ بنُ أبي عمَّارٍ- كما جاء في روايةٍ أُخرى-: "فأنكَرْتُ ذلكَ"، أي: مِن تقديمِ جِنازةِ المرأةِ على جِنازةِ ابنِها، "فنظَرْتُ إلى ابنِ عبَّاسٍ، وأبي هُرَيرةَ، وأبي سعيدٍ، وأبي قَتادةَ"، أي: لعلَّهم يُنكِرونَ بمِثلِ ما يُنكِرُ، "فقُلْتُ: ما هذا"؟ قاصدًا التَّرتيبَ، فقال الصَّحابةُ رَضِي اللهُ عَنهم: "هي السُّنَّةُ"، أي: إنَّ هذا التَّرتيبَ إنَّما هو عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم
وظاهرُ أوَّلِ الحَديثِ أنَّ الَّذي صلَّى إمامًا هو ابنُ عُمرَ، لكن يُعارِضه قولُه بعدَ ذلك: "والإمامُ يَومئذٍ سعيدُ بن العاصِ"؛ فقيل: إنَّ نافعًا روى واقِعتَينِ كان ابنُ عمرَ هو إمامَ الصَّلاةِ في الأُولى حِين صلَّى على تِسعِ جَنائزَ، ثم روَى واقعةً أخرى كان فيها سَعيدُ بن العاصِ هو إمامَ الصَّلاةِ على أمِّ كلثوم بنت عليٍّ وابنِها. وقيل: يَحتمِلُ قولُه: "والإمامُ يومئذٍ سعيدُ بنُ العاصِ"؛ يعنى الأَمِيرَ على المدينةِ، لا أنَّه كان إمامًا في الصَّلاة؛ أو يُحمَل على أنَّ نِسبَةَ ذلك إلى ابنِ عُمرَ؛ لكونِه أشارَ بِترتيبِ وضْعِ تلك الجنائزِ، والثاني أظهَرُ لأمْرينِ
أوَّلُهما أنَّ الأمامةَ كانتْ من شأن الأمراءِ
والثاني: أنَّه جاء عند ابنِ أبي شَيبةَ: "فصلَّى عليهما أميرُ المدينةِ
وهاتان الواقِعتانِ تُبيِّنان أنَّ السُّنَّةَ في صَلاةِ الجِنازةِ إذا اجتمَع فيها الرِّجالُ والنِّساءُ: أن يُوضَعَ الرِّجالُ أمامَ الإمامِ مُباشرةً ثم بَعدَهم النِّساءُ إلى جِهةِ القِبلةِ، وهذه السُّنَّةُ أخَذ بها جمهورُ العلماءِ
وفي الحَديثِ: بيانُ حِرصِ الصَّحابةِ رضِيَ اللهُ عنهم على اتِّباعِ سنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم