عقد اللحية

سنن النسائي

عقد اللحية

 أخبرنا محمد بن سلمة، قال: حدثنا ابن وهب، عن حيوة بن شريح، وذكر آخر قبله، عن عياش بن عباس القتباني، أن شييم بن بيتان، حدثه أنه، سمع رويفع بن ثابت يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا رويفع، لعل الحياة ستطول بك بعدي، فأخبر الناس أنه من عقد لحيته، أو تقلد وترا، أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمدا بريء منه»

جرَتْ سُنَّةُ اللهِ في الخَلْقِ أنَّه كُلَّما امتَدَّ الزَّمانُ وابتعَد عن زمَنِ النُّبوَّاتِ- أنَّ كثيرًا مِن النَّاسِ يبتَعِدون عن مِنهاجِ النُّبوَّةِ وعن أصولِ الشَّرعِ، أو يتَخفَّفون مِنها؛ ولذلك يَحتاجون دائمًا مَن يُجدِّدُ لهم أمرَ دِينِهم، ويَعِظُهم ويُذكِّرُهم بالشَّرائعِ والأمورِ المنسيَّةِ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ رُويفعٌ بنُ ثابتٍ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال له: يا رُوَيْفِعُ، لعلَّ الحياةَ ستطولُ بك بَعْدي، فأخبِرِ النَّاسَ"، أي: أوصِ وأْمُرْ مَن بعدَك مِن المسلِمين، "أنَّه مَن عقَدَ لِحيتَه"، أي: مَن طوَّلَ شَعرَ لِحيتِه وعالَجَه حتَّى يتَجعَّدَ ويُعقَدَ على بَعضِه، وهو مِن التَّشبُّهِ بغَيرِ المسلِمين والأعاجمِ، ويدلُّ على عدَمِ المروءةِ، وهذا مُخالِفٌ للسُّنَّةِ الَّتي هي تَسريحُ اللِّحيةِ، وقيل: كانوا يَعقِدُونها في الحروبِ، فأمَرهم بإرسالِها، وعدَمِ فَتْلِها كفِعلِ الأعاجمِ، "أو تقَلَّد وَتَرًا"، أي: لَبِس خيطًا في رقَبتِه على أنَّه تميمةٌ تَقِيه مِن السُّوءِ والآفاتِ، وهذا مِن فِعلِ الجاهليَّةِ، وكانوا يُلبِسون الأطفالَ والخيلَ القَلائدَ والخيوطَ التي فيها الخَرَزُ والتَّمائمُ؛ لِتَدفَعَ عنهم السُّوءَ بِزَعمِهم، وهو مِن الإشراكِ باللهِ، "أو استنجَى برَجيعِ دابَّةٍ، أو عَظْمٍ"، أي: استخدَمَ مخلَّفاتِ ورَوْثِ الحيواناتِ، أو العظامَ في التُّطهُّرِ مِن الغائطِ أو البولِ؛ لأنَّ العظمَ طَعامُ الجنِّ، ولأنَّ الرَّوْثَ نجسٌ، وإنَّما الأمرُ باستِخْدامِ الأحجارِ الطَّاهرةِ أو الماءِ؛ فيَأمُرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رُويفِعًا أن يُخبِرَ النَّاسَ أنَّ مَن يَفعَلُ تلك النَّواهيَ "فإنَّ محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منه بريءٌ"، أي: إنَّ جزاءَه بَراءةُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منه، ويُحتَملُ أنَّه لا يَستحِقُّ شَفاعتَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن مُخالفةِ هَدْيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وسُنَّتِه
وفيه: النَّهيُ عن التصرُّفِ في شَعرِ اللِّحيةِ على الوجهِ المخالِفِ لسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والنهيُ عن الاستنجاءِ بالرَّوْثِ والعظامِ، وعن اتِّخاذ التَّمائمِ وما في معناها