فرض الوقوف بعرفة 3
سنن النسائي
أخبرنا إبراهيم بن يونس بن محمد، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا حماد، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن ابن عباس، أن أسامة بن زيد، قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وأنا رديفه، فجعل يكبح راحلته حتى أن ذفراها ليكاد يصيب قادمة الرحل وهو يقول: «يا أيها الناس، عليكم بالسكينة والوقار، فإن البر ليس في إيضاع الإبل»
السَّكينةُ والوقارُ مِن الصِّفاتِ الحَميدةِ التي حَثَّ عليها الشَّرعُ، خُصوصًا في العِباداتِ ومَواطنِ الزِّحامِ، كالحجِّ
وفي هذا الحديثِ يَروي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه انْصَرَف مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن عَرَفةَ مُتوجِّهًا إلى المُزْدَلِفةِ، وعَرَفاتٌ: جَبَلٌ يقَعُ على الطَّريقِ بيْن مكَّةَ والطائفِ، ويَبعُدُ عن مكَّةَ حَوالَيْ (22 كم)، وعلى بُعدِ (10 كم) مِن مِنًى، و(6 كم) مِن مُزدلِفةَ، ويُقامُ عندَه أهمُّ مَناسِكِ الحجِّ، وهو الوقوفُ بعَرَفةَ يومَ التاسعِ مِن شَهرِ ذي الحجَّةِ. والمُزدلِفةُ: اسمٌ للمكانِ الذي يَنزِلُ فيه الحَجيجُ بعْدَ الإفاضةِ مِن عَرَفاتٍ، ويَبيتون فيه لَيلةَ العاشرِ مِن ذي الحِجَّةِ، وفيه المَشعَرُ الحرامُ، وتُسمى جَمْعًا، وتَبعُدُ عن عَرَفةَ حَوالَي (12 كم)
فسَمِعَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الناسَ وَراءَه يَصيحون في الإبلِ ودَوابِّهم ويَضرِبونها؛ لتُسرِعَ في سَيرِها، فأشارَ بسَوطِه إليهم إشارةً يَنهاهُم فيها عن السُّرعةِ الشَّديدةِ، وأمَرَهُم بالهُدوءِ وتَخفيفِ السُّرعةِ، والْتزامِ الرِّفقِ وعدَمِ مُزاحمةِ الآخَرينَ ومُسابقتِهم، وعلَّلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهْيَه لهم بقَولِه: فإنَّ البِرَّ -الذي هو الخيرُ- لَيس بالإيضاعِ، وهو حَمْلُ الدَّابَّةِ على الإسراعِ في السَّيرِ، يعني: فَلَيْست طاعةُ اللهِ في سُرعةِ السَّيرِ. قيل: إنَّما نَهاهم عن الإيضاعِ والجرْيِ إبقاءً عليهم، ولئلَّا يَضُرُّوا بأنفُسِهم بالتَّسابُقِ مِن أجْلِ بُعدِ المسافةِ، ولأنَّهم راجعونَ مِن الوُقوفِ بعَرَفةَ وهو مَظِنَّةُ التَّعبِ والمشقَّةِ؛ فأرشدَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الرِّفقِ والسَّكينةِ
وفي الحَديثِ: مَشروعيَّةُ تَنظيمِ حَرَكةِ المرورِ، لا سيَّما عندَ الإِفاضةِ مِن عَرَفاتٍ، وإشرافِ المَسؤولينَ عليها