فضل المشي إلى الجمعة
سنن النسائي
أخبرني عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير، قال: حدثنا الوليد، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، أنه سمع أبا الأشعث حدثه، أنه سمع أوس بن أوس، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة وغسل، وغدا وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام، وأنصت ولم يلغ، كان له بكل خطوة عمل سنة»
ليومِ الجُمعةِ فضائلُ كثيرةٌ، وأجورٌ عظيمةٌ، ومِن هذا ما ورَد
في هذا الحديثِ؛ حيثُ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيْه وسلَّم: "مَن غَسَلَ يومَ الجُمعةِ"، غسل يُروَى (غَسَل) بتخفيف السِّين و(غسَّل) بتشديدِها، ومعناهُ غسَلَ رأسَه خاصَّةً أو غسل أعضاءه للوُضوءِ، "واغتَسَل"، أي: غسَل جَميعَ جسَدِه ويَدخُلُ في ذلك الرَّأسُ أيضًا، وخُصَّ الرَّأسُ بالغَسْلِ مِن أجلِ الشَّعرِ الكثيرِ الَّذي يَحتاجُ إلى تَنظيفٍ وعنايةٍ؛ لِيَزولَ ما فيه مِن روائحَ كريهةٍ وغيرِها. وقيل: إنَّ معنى (غسل) أصابَ أهلَه قبلَ خروجِه إلى الجُمُعةِ؛ ليكون أملكَ لنَفْسِه وأحْفَظَ في طريقِه لبَصرِه؛ فكأنَّه غَسَل امرأتَه أو غسَّلها، أي: أحوجَها إلى الغُسلِ. وقيل: المرادُ بهذينِ اللَّفظينِ (غسل واغتسل) التوكيدُ ولم تقَعِ المخالفةُ بينَ المعنيَينِ لاختلافِ اللَّفظينِ
"ثُمَّ بَكَّر"، أي: خرَج للجُمعةِ مُبكِّرًا في الوقتِ، "وابْتَكَر"، أي: حضَر الخُطبةَ مِن أوَّلِها إلى آخِرِها، ولم يَفُتْه شيءٌ مِنها، "ومَشى ولَم يَركَبْ"، أي: ذهَب إلى المسجِدِ ماشيًا؛ وذلك لأنَّ الأجرَ على قدْرِ التَّعَبِ والمشقَّةِ، "ودَنا مِن الإمامِ فاستَمَع ولم يَلْغُ"، أي: كان قريبًا مِن الإمامِ، مُنصِتًا لِما يَقولُ، مُتجنِّبًا اللَّغوَ معَ أيِّ أحدٍ
فجَزاءُ ذلك كلِّه: "كان له بكُلِّ خُطْوةٍ عَمَلُ سنَةٍ؛ أجْرُ صِيامِها وقِيامِها"، "الخُطْوةُ" بُعْدُ ما بَينَ الرِّجْلَينِ في المَشْيِ، أي: له بكلِّ خُطْوةٍ يَخْطوها إلى المسجِدِ أجرُ وثوابُ أعمالِ سنَةٍ، معَ قَبولِ صِيامِها وقيامِها، فكأنَّ في كلِّ خُطوَةٍ كتابةَ حسَنةٍ ومَحْوَ سيِّئةٍ، وهذا فضلٌ كبيرٌ، وثوابٌ عظيمٌ مِن اللهِ تعالى، اختَصَّ به يومَ الجمُعةِ
وفي الحديثِ: بيانٌ لفضلِ التَّبكيرِ إلى الجُمعةِ، واستِماعِها وعدَمِ اللَّغوِ فيها، وأنَّ اللهَ يُعْطي مِنَ الأجرِ الكبيرِ على اليَسيرِ من الأعمالِ