باب صفة السجود 4
سنن النسائي
أخبرنا علي بن حجر، قال: أنبأنا إسمعيل، قال: حدثنا داود بن قيس، عن عبيد الله بن عبد الله بن أقرم، عن أبيه قال: «صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت أرى عفرة إبطيه إذا سجد»
الصَّلاةُ عِبادةٌ توقيفيَّةٌ، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيفيَّتَها، وهيئتَها، وأركانَها، وسُنَنَها وآدابَها، وكلَّ ما يتعلَّقُ بها، وقد نقَلَ لنا الصَّحابةُ الكِرامُ صِفَةَ صلاةِ النَّبيِّ الكريمِ
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ عبدُ اللهِ بنُ أَقْرَمَ الخُزاعِيُّ، رضِيَ اللهُ عنه، قال: "كُنْتُ مع أبي بالقَاعِ مِن نَمِرَةَ"، القاعُ مِن الأرضِ: هو أرضٌ سهلةٌ مُطْمئنةٌ مَتَّسِعةٌ، قدِ انفرَجَت عنها الجِبالُ، ونَمِرَةُ: هو مكانٌ بقُرْبِ عرَفَةَ وحدٌّ مِن حُدودِه من جِهةِ الحرَمِ، "فمَرَّ بِنا ركْبٌ"، أي: جماعةٌ مِن الرَّاكبينَ على الدَّوابِّ والجمالِ، "فأناخوا بناحيةِ الطَّريقِ"، أي: أناموا دَوابَّهم في جانبٍ مِن الطَّريقِ، "فقال لي أبي: كُنْ في بَهْمِك" والبَهْمُ تُطْلَقُ على ولَدِ الضَّأْنِ؛ الذَّكرِ والأُنْثى، "حتَّى آتِيَ هؤلاء القومَ فأسأَلَهم"، أي: القومَ الَّذين أناخوا بجوارِهم، قال عبدُ اللهِ: "فخرَجَ، وجِئْتُ، يعني: دَنَوْتُ"، وفي روايةٍ: "فخرَجَ وخرَجْتُ في إثرِه"، أي: تتبَّعَ والدَه إلى المكانِ الذَّاهِبِ إليه، "فإذا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فحضَرتِ الصَّلاةُ، فصَلَّيْتُ معهم، فكنْتُ أنظُرُ إلى عُفْرَتَيْ إبْطَيْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كلَّما سجَدَ"، والعُفْرَة: بياضٌ غيرُ صافٍ أسفَلَ الآباطِ، ولاختلاطِ أصولِ الشَّعرِ مع اللَّحمِ صار أشبَهَ بلونِ وجْهِ الأرضِ، ولا تظهَرُ هذه العُفْرةُ عادةً إلَّا بمُجافاةِ اليدينِ عنِ الجَنبينِ، وكأنَّه كان ينظُرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو خلْفَه في الصَّلاةِ، وهذه الصِّفةُ لا تأتي إلَّا إذا مَدَّ المُصَلِّي يدَهُ إلى جَنبَيْه ولم يفترِشْهما كافتراشِ السَّبُعِ؛ فدل على أنَّ السُّنَّةَ في السُّجودِ أن يُنحِّيَ يَديهِ عن جَنبيهِ، ولكنْ على المأمومِ في الصفِّ ألَّا يُؤذِيَ غيرَه وأنْ يَلينَ مَنكِبَه لإخوانِهِ