فضل من عمل في سبيل الله على قدمه 1
سنن النسائي
أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: حدثنا جعفر بن عون، قال: حدثنا مسعر، عن محمد بن عبد الرحمن، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، قال: «لا يبكي أحد من خشية الله فتطعمه النار حتى يرد اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في منخري مسلم أبدا»
خَشيةُ اللهِ في السِّرِّ والعَلَنِ من المنجياتِ مِن النارِ، وكذلك الجهادُ في سَبيلِ اللهِ سببٌ لغُفرانِ الذُّنوبِ، وسببٌ للنجاةِ مِن النارِ، كما يقولُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم
في هذا الحديثِ: "لا يَلِجُ النَّارَ"، أي: لا يَدخُلُ النَّارَ، "رجلٌ بكَى مِن خشْيةِ اللهِ"، أي: إنَّ الخوْفَ مِن اللهِ هو الَّذي يجعَلُ صاحبَه مُطيعًا له مُجتنِبًا لِمَعصِيتِه، ثمَّ ضرَب مثلًا في استِحالَةِ دخُولِه النَّارَ كما يستحِيلُ أنْ يَرجِعَ اللَّبَنُ إلى ضرْعِ الحَيَوانِ بعدَ إذْ حُلِبَ منه، فقال: "حتَّى يَعودَ اللَّبنُ في الضَّرْعِ"؛ والمعنى: أنَّ رُجوعَ اللَّبنِ إلى الضَّرعِ لا يَحدُثُ، وكذلك لا يَدخُلُ النَّارَ مَن بكَى مِن خشْيةِ اللهِ، وهذا كقوْلِه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} [الأعراف: 40]. ... "ولا يَجتمِعُ غُبارٌ في سَبيلِ اللهِ"، والغُبارُ هو ما يَنتُجُ ويُثارُ مِن تُرابٍ دَقيقٍ عندَ الحرَكةِ أثْناءَ الجِهادِ "ودُخَانُ جهَنَّمَ"، أي: لا يجتمِعُ على المجاهِدِ الغُبارُ الَّذي حدَث له في المعرَكةِ وهي في سَبيلِ اللهِ، ودُخانُ جهَنَّمَ، ولكنْ يرحَمُه اللهُ، فلا يدخُلُ جهَنَّمَ بسَببِ جِهادِه وما فيه من تَعبٍ ومَشقَّةٍ وتعريضٍ للنَّفْسِ للأَخطارِ والمَوتِ