كتاب اللقطة
حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن ابن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل عن الثمر المعلق فقال « من أصاب بفيه من ذى حاجة غير متخذ خبنة فلا شىء عليه ومن خرج بشىء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يئويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع ». وذكر فى ضالة الإبل والغنم كما ذكره غيره قال وسئل عن اللقطة فقال « ما كان منها فى طريق الميتاء أو القرية الجامعة فعرفها سنة فإن جاء طالبها فادفعها إليه وإن لم يأت فهى لك وما كان فى الخراب - يعنى - ففيها وفى الركاز الخمس ».
( الثمر المعلق ) : المراد بالثمر المعلق ما كان معلقا في النخل قبل أن يجذ ويجرن والثمر اسم جامع للرطب واليابس من التمر والعنب وغيرهما ( من أصاب بفيه ) : فيه دليل على أنه إذا أخذ المحتاج بفيه لسد فاقته فإنه مباح له ( غير متخذ خبنة ) : بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة فنون وهو معطف الإزار وطرف الثوب أي لا يأخذ منه في ثوبه يقال أخبن الرجل إذا خبأ شيئا في خبنة ثوبه أو سراويله انتهى ما في النهاية
وقال الخطابي : الخبنة ما يأخذه الرجل في ثوبه فيرفعه إلى فوق . ويقال للرجل إذا رفع ذيله في المشي قد رفع خبنته انتهى . ( ومن خرج بشيء منه ) : من الثمر وفيه أنه يحرم عليه الخروج بشيء منه فإن خرج بشيء منه فلا يخلو أن يكون قبل أن يجذ ويأويه الجرين أو بعده فإن كان قبل الجذ فعليه الغرامة والعقوبة وإن كان بعد القطع وإيواء الجرين له فعليه القطع مع بلوغ المأخوذ للنصاب لقوله فبلغ ثمن المجن وهذا مبني على أن الجرين حرز كما هو الغالب إذ لا قطع إلا من حرز كذا في السبل . ( فعليه غرامة مثليه ) : بالتثنية ( والعقوبة ) : بالرفع أي التعزير وفي رواية البيهقي بأن العقوبة جلدات نكال . وقد استدل بهذا على جواز العقوبة بالمال فإن غرامة مثليه من العقوبة بالمال وقد أجازه الشافعي في القديم ثم رجع عنه وقال لا يضاعف الغرامة على أحد في شيء إنما العقوبة في الأبدان لا في الأموال وقال هذا منسوخ والناسخ له قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهل الماشية بالليل ما أتلفت فهو ضامن أي مضمون على أهلها قال وإنما يضمنونه بالقيمة
وقال الخطابي : يشبه أن يكون هذا على سبيل التوعد فينتهي فاعل ذلك عنه والأصل أن لا واجب على متلف الشيء أكثر من مثله . وقد قيل إنه كان في صدر الإسلام يقع بعض العقوبات على الأفعال ثم نسخ وإنما أسقط القطع عمن سرق الثمر المعلق لأن حوائط المدينة ليس عليها حيطان وليس سقوطها عنه من أجل أن لا قطع في غير الثمرة فإنه مال كسائر الأموال انتهى . ( الجرين ) : بفتح الجيم وكسر الراء هو موضع تجفيف التمر وهو له كالبيدر للحنطة ويجمع على جرن بضمتين كذا في النهاية ( ثمن المجن ) : بكسر الميم وفتح الجيم مفعل من الاجتنان وهو الاستتار والاختفاء وكسرت ميمه لأنه آلة في الاستتار . قال في النهاية هو الترس لأنه يواري حامله أي يستره والميم زائدة انتهى . وكان ثمن المجن ثلاثة دراهم وهو ربع دينار وهو نصاب السرقة عند الشافعي ويجيء بيانه في الحدود إن شاء الله تعالى . ( وذكر ) : ابن عجلان عن عمرو بن شعيب ( كما ذكره غيره ) : أي غير ابن عجلان كعبيد الله بن عمر عن عمرو بن شعيب أو يكون المعنى أي ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص كما ذكر غيره من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم والله أعلم قال أي ابن عجلان بإسناده ، أو قال عبد الله بن عمرو ( وسئل ) : أي النبي صلى الله عليه وسلم - ( في طريق الميتاء ) : بكسر الميم مفعال من الإتيان والميم زائدة وبابه الهمزة ، أي طريقة مسلوكة يأتيها الناس . قال الخطابي وابن الأثير ( أو القرية الجامعة ) : للناس من المرور والذهاب أي قرية عامرة يسكنها الناس ( وما كان في الخراب ) قال الخطابي : يريد الخراب العادي الذي لا يعرف له مالك وسبيله سبيل الركاز وفيه الخمس وسائر المال لواجده فأما الخراب الذي كان عامرا ملكا لمالك ثم خرب فإن المال الموجود فيه ملك لصاحب الخراب ليس لواجده منه شيء وإن لم يعرف صاحبه فهو لقطة انتهى . ( ففيها ) : أي في اللقطة التي توجد في الخراب ( وفي الركاز الخمس ) . قال الإمام الحافظ الهروي في الغريب اختلف أهل العراق وأهل الحجاز في تفسير الركاز قال أهل العراق : هو المعادن وقال أهل الحجاز هو كنوز أهل الجاهلية وكل محتمل في اللغة انتهى . وقال في النهاية الركاز عند أهل الحجاز كنوز الجاهلية المدفونة في الأرض وعند أهل العراق المعادن والقولان تحتملهما اللغة . والحديث إنما جاء في التفسير الأول وهو الكنز الجاهلي وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه انتهى
وأخرج الحاكم في المستدرك في آخر البيوع من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في كنز وجده رجل فقال إن كنت وجدته في قرية مسكونة أو سبيل ميتاء فعرفه وإن كنت وجدته في خربة جاهلية أو في قرية غير مسكونة أو غير سبيل ميتاء ففيه وفي الركاز الخمس انتهى وسكت عنه إلا أنه قال ولم أزل أطلب الحجة في سماع شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو فلم أصل إليها إلى هذا الوقت . وأخرجه أيضا الحافظ ابن عبد البر في التمهيد . قال بعض الشراح المتقدمين وعطف الركاز على الكنز دليل على أن الركاز غير الكنز وأنه المعدن كما يقوله أهل العراق فهو حجة لمخالف الشافعي انتهى
قلت ليس الأمر كما قال ذلك البعض وإن كان من الأئمة المتقدمين لأن حديث عمرو بن شعيب فيه حكم للشيئين الأول ما وجد مدفونا في الأرض وهو الركاز والثاني ما وجد على وجه الأرض في خربة جاهلية أو قرية غير مسكونة أو غير سبيل ميتاء ففيهما الخمس . فهاهنا عطف الركاز وهو المال المدفون على المال الذي وجد على وجه الأرض وأما عن حكم المعدن فالحديث ساكت عنه فلا يكون حجة لأهل العراق بل الحديث حجة لأهل الحجاز الذي نزل القرآن بلغتهم كذا في غاية المقصود
قال المنذري : وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه مختصرا ومطولا ومنهم من قال عن عبد الله بن عمرو ، ومنهم من قال عن جده ولم يسمه . وقال الترمذي : حديث حسن رضي الله عنه انتهى . ( بإسناد ) : إلى النبي صلى الله عليه وسلم - ( بهذا ) : الحديث المذكور لكن ( قال ) : الوليد بن كثير في روايته ( في ضالة الشاء ) : أي في حكم ضالة الشاء ( قال فاجمعها ) : أي قال الوليد مكان قوله خذها فاجمعها وهو أمر من جمع يجمع أي اجمع الشاة الضالة مع شاتك . فمعنى قوله خذها واجمعها واحد والله أعلم
( خذها قط ) : يشبه أن يكون بسكون الطاء بمعنى حسب وهو الاكتفاء بالشيء تقول قطي أي حسبي ومن هاهنا يقال رأيته مرة فقط والمعنى أن عبيد الله بن الأخنس الراوي عن عمرو بن شعيب ما زاد على قوله خذها كما زاد ابن إسحاق في الرواية الآتية حتى يأتيها باغيها والله أعلم ( وكذا قال فيه أيوب ) : السختياني ( ويعقوب بن عطاء ) : كلاهما ( فخذها ) : وما زادا على ذلك فاتفق الثلاثة أي عبيد الله وأيوب ويعقوب على عدم الزيادة . وأخرج الشافعي في مسنده من طريق سفيان عن داود بن سابور ويعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا لكن ما ذكر فيه قصة الشاة ولا قصة الإبل وإنما اقتصر على ذكر الكنز