كتاب صلاة الخوف 1

سنن النسائي

كتاب صلاة الخوف 1

أخبرنا إسحق بن إبراهيم، قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا سفيان، عن الأشعث بن أبي الشعثاء، عن الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زهدم، قال: كنا مع سعيد بن العاصي بطبرستان، ومعنا حذيفة بن اليمان، فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فوصف، فقال: «صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف بطائفة ركعة، صف خلفه، وطائفة أخرى بينه وبين العدو، فصلى بالطائفة التي تليه ركعة، ثم نكص هؤلاء إلى مصاف أولئك، وجاء أولئك فصلى بهم ركعة»

شُرِعَتْ صَلاةُ الخَوفِ حتَّى يَتمكَّنَ المسلِمونَ مِن أداءِ فرْضِ اللهِ دُونِ تَعريضِ أنفُسِهم للخَطَرِ في أثناءِ قِتالِهم لأعداءِ اللهِ، وهو مِن بابِ تَخفيفِ اللهِ سُبحانَه وتعالَى على المُجاهِدينَ في سَبيلِه؛ حتَّى لا يَغدِرَ بهم عدُوُّهم في أَثناءِ صَلاتِهم
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ نافِعٌ مولى ابنِ عُمَرَ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رضِي اللهُ عنهما كان إذا سُئِلَ عن كيفيَّةِ صَلاةِ الخَوفِ، ذكر كيفيَّتَها كالآتي: أنْ يَبدَأَ الإمامُ الصَّلاةَ مع طائفةٍ مِنَ الجنودِ، في مَوضِعٍ لا تَصِلُهم فيه سِهامُ العَدُوِّ، فيُصلِّيَ بهم ركعةً، وتكونَ الطَّائفةُ الأخرى واقِفةً تُجاهَ العدوِّ مُتأهِّبةً له، تحمي الطَّائِفةَ المُصَلِّيةَ مع الإمامِ، فإذا فرَغَ الإمامُ مِنَ الركعةِ الأولى تأخَّرَتْ هذه الطَّائفةُ وتصيرُ في وَجهِ العَدُوِّ دونَ أنْ تَسلِّمَ، بل تَستَمِرُّ في صلاتِها، وتأتي الطَّائفةُ الأخرى فتُصلِّي ركعةً مع الإمامِ حالَ كَونِه قائمًا مُنتَظِرًا لهم، فإذا سلَّمَ الإمامُ وانصرف من صلاتِه بعد أن صلَّى ركعتَينِ، تكونُ كلُّ واحدةٍ مِنَ الطَّائِفتينِ قد صلَّتْ رَكعةً واحدةً، فتَقومُ كلُّ طائفةٍ منهم وتأتي بركعةٍ ثُمَّ يُسلِّمونَ، فيكونُ كلُّ واحدٍ مِنَ الطَّائفتينِ قدْ صلَّى ركعتَينِ، ركعةً مع الإمامِ، وركعةً بدُونِه
فإذا كان الخوفُ أشدَّ مِن ذلك -بحيثُ لا يستطيعون الصَّلاةَ على النَّحوِ السَّابِقِ- فإنَّهم يُصلُّونَ على حالِهم مُنفَرِدينَ، سواءٌ كانوا راكبينَ على دوابِّهم أو ماشِينَ على أقدامِهم، مُستقبلِينَ القِبلةَ أو غيرَ مُستقبليِها، بحسَبِ ما يتيسَّرُ لهم
وقد وَرَدَ في كَيفيَّةِ صَلاةِ الخَوفِ صِفاتٌ كَثيرةٌ، وهذه إحْدَى الرِّواياتِ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها، وقد صَلَّاها في أيَّامٍ مُختلفةٍ بأشكالٍ مُتباينةٍ، يَتحرَّى فيها ما هو الأحوطُ للصَّلاةِ، والأبلَغُ للحِراسةِ؛ فهي على اختِلافِ صُوَرِها مُتَّفِقةُ المعنى
ثم بَيَّن نافِعٌ أنَّ هذا الحديثَ قد رواه ابنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم
وفي الحَديثِ: بيانُ جانِبٍ من تيسيرِ الشَّريعةِ
وفيه: أهميَّةُ صَلاةِ الجَماعةِ وضَرورةِ الحِرصِ عليها
وفيه: أنَّ الدِّينَ يَأمُرُ بالعِباداتِ التي تَحفَظُ العبدَ أمامَ اللهِ في الآخرةِ، ويَأمُرُ بالأخْذِ بالأسبابِ التي تَحفَظُ العبدَ في الدُّنيا