كتاب قسم الفيء 1
سنن النسائي
أخبرنا هارون بن عبد الله الحمال قال: حدثنا عثمان بن عمر، عن يونس بن يزيد، عن الزهري، عن يزيد بن هرمز، أن نجدة الحروري حين خرج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن تراه؟ قال: «هو لنا لقربى رسول الله صلى الله عليه وسلم قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم»، وقد كان عمر عرض علينا شيئا رأيناه دون حقنا، فأبينا أن نقبله، وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم، ويقضي عن غارمهم، ويعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك
الخوارجُ مِن أوَّلِ الفِرَقِ المبتدعةِ ظُهورًا في الإسلامِ، وقد ظلَّ الخوارجُ على عهدِ الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عَنهم يُجادِلون أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ويُراجِعونهم في دِينِهم؛ ظنًّا مِن الخوارجِ أنَّهم على حقٍّ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ يَزيدُ بنُ هُرمُزَ: "أنَّ نَجدةَ الحَروريَّ"، وهو نَجْدةُ بنُ عامرٍ، وكان مِن الخوارجِ، يُنسَبُ إلى حَروراءَ، موضعٌ قريبٌ مِن الكوفةِ، وهي البَلدُ الَّتي اجتَمَع فيها أوَّلُ أمرِ الخوارجِ، "حينَ خرَج"، أي: ظهَر، "في فِتنةِ ابنِ الزُّبيرِ"، أي: في الزَّمنِ الَّذي كان فيه فتنةُ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ رَضِي اللهُ عَنهما لَمَّا بايعَ مُعاويةُ رَضِي اللهُ عَنه لابنِه يَزيدَ بالخلافةِ، "أرسَل"، أي: نَجدةُ هذا، "إلى ابنِ عبَّاسٍ، يَسأَلُه عن سَهمِ ذي القُرْبى"، أي: الَّذي في قولِه تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى} [الأنفال: 41]، قال: "لِمَن تَراه"؟ أي: هل هو لِقَرابةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، أم يَصرِفُه الإمامُ في مصالحِ المسلِمين؟ فقال عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "هو لنا"؛ وذلك أنَّ ابنَ عبَّاسٍ ابنُ عمِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم؛ "لِقُربَى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم"، أي: لِقَرابتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "قسَمَه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لهم"، أي: أخرَجه لهم النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في حَياتِه، "وقد كان عُمرُ"، أي: في زمَنِ خلافتِه رَضِي اللهُ عَنه، "عرَض علينا شيئًا"، أي: جُزءًا مِن هذا السَّهمِ وليس كلَّه، "رأَيْناه دونَ حقِّنا"، أي: كان أقلَّ ممَّا هو واجبٌ لنا، "فأبَيْنا أن نَقبَلَه"، أي: فامتَنَعنا عن أخذِه، "وكان الَّذي عرَض عليهم"، أي: وكان ممَّا عرَضه عُمرُ رَضِي اللهُ عَنه على قَرابةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أن يُعينَ ناكِحَهم"، أي: الَّذي يُريدُ الزَّواجَ، "ويَقْضيَ عن غارِمِهم"، أي: يُسدِّدَ عنهم الدَّينَ، "ويُعطِيَ فقيرَهم"، أي: يُنفِقَ على المُحتاجِ منهم، "وأبى أن يَزيدَهم على ذلك"، أي: وامتَنَع عمرُ رَضِي اللهُ عَنه أن يَزيدَ في الإنفاقِ عليهم في غيرِ ما تقدَّم
وقد اختَصرَتِ هذه الرِّوايةُ أسئلةَ نَجْدةَ الحروريِّ على سُؤالٍ واحدٍ، وهي خمسُ أسئلةٍ في رِوايةٍ لمُسلمٍ، وفيه: "أنَّ نَجْدةَ كتَب إلى ابنِ عبَّاسٍ يَسأَلُه، عن خَمسِ خِلالٍ، فقال ابنُ عبَّاسٍ: لولا أنْ أَكتُمَ عِلمًا ما كتَبتُ إليه، كتَب إليه نَجدةُ: أمَّا بعدُ، فأخبِرْني: هل كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَغْزو بالنِّساءِ؟ وهل كان يَضرِبُ لهنَّ بسهمٍ؟ وهل كان يَقتُلُ الصِّبيانَ؟ ومَتى يَنقَضي يُتْمُ اليتيمِ؟ وعن الخُمسِ لِمَن هو؟ فكتَب إليه ابنُ عبَّاسٍ: "كتَبْتَ تَسأَلُني: هل كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَغْزو بالنِّساءِ؟ وقد كان يَغْزو بهِنَّ، فيُداوِينَ الجَرْحى، ويُحْذَينَ مِن الغنيمةِ، وأمَّا بسَهمٍ فلم يَضرِبْ لهنَّ، وإنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لم يَكُنْ يقتُلُ الصِّبيانَ، فلا تَقتُلِ الصِّبيانَ، وكتبتَ تَسألُني متى يَنقَضي يُتمُ اليتيمِ؟ فلَعَمْري، إنَّ الرَّجلَ لتَنبُتُ لِحيتُه، وإنَّه لضَعيفُ الأَخذِ لِنَفسِه، ضعيفُ العطاءِ منها، فإذا أخَذ لِنَفسِه مِن صالحِ ما يَأخُذُ النَّاسُ فقد ذهَب عنه اليُتمُ، وكتبتَ تسألُني عن الخُمسِ لِمَن هو؟ وإنَّا كنَّا نقولُ: هو لنا، فأبى علينا قومُنا ذاك"
وفي الحديثِ: إفتاءُ العالِمِ لأهلِ البِدَعِ إذا كان فيه مَصلحةٌ، أو خاف مَفسَدةً لو لم يَفهَمْ
وفيه: أنَّ لِقُربى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم سَهمًا خاصًّا بهم، يَستحِقُّونه مِن الغنائمِ، وهو خُمُسُ الخُمُسِ