ما للوصي من مال اليتيم إذا قام عليه 3
سنن النسائي
أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا عمران بن عيينة، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: في قوله: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} [النساء: 10]، قال: " كان يكون في حجر الرجل اليتيم، فيعزل له طعامه وشرابه وآنيته، فشق ذلك على المسلمين، فأنزل الله عز وجل {وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220] في الدين فأحل لهم خلطتهم "
أوصى الشَّرعُ الحكيمُ برِعايةِ الأيتامِ وحِفْظِ أموالِهم، ونَظَّمَ أُمورَ القِيامِ على أموالِ اليَتامَى؛ حِفاظًا عليها ورِعايةً لمصلحتِهم، كما في هذا الحديثِ، حيثُ يُخبِرُ عمرُو بنُ شُعيبٍ، عن أبيه، عن جَدِّه رَضِي اللهُ عنه قالَ: "جاء رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال: لا أجِدُ شيئًا، وليس لي مالٌ"، وهذا كِنايةٌ عن فَقْرِه وحاجَتِه، "ولي يَتيمٌ له مالٌ"، أي: إنَّه وَلِيٌّ ووصيٌّ ليتيمٍ عِندَه، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "كُلْ مِن مالِ يَتيمِك، غيرَ مُسرِفٍ"، أي: أنفِقْ مِن مالِ هذا اليتيمِ غيرَ مُفْرِطٍ ومُتصرِّفٍ فوقَ الحاجةِ، "ولا مُتأثِّلٍ مالًا"، أي: غيرَ جامِعٍ مالًا مِن مالِ اليتيمِ، مثلُ: أن يتَّخِذَ مِن مالِ اليتيمِ رأْسَ مالٍ فيُتاجِرَ فيه لنَفسِه دونَ اليتيمِ، فإذا بلَغ أعطاه رأسَ مالِه وأخَذَ الرِّبْحَ لنَفسِه، قال الرَّاوي: "وأحسَبُه قال"، أي: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم زادَ بقولِه: "ولا تَقِي مالَك بمالِه"، أي: بأن تَقضِيَ حاجَتَك بمالِ اليتيمِ دونَ مالِك
وقد أوجَب الشَّرعُ على مَن قامَ بالوِصايةِ على الأيتامِ أن يُحسِنَ رِعايتَهم وتربيَتَهم، وإذا كان لهم أموالٌ أن يُحسِنَ حِفظَها وتَنميَتَها، وأن يؤدِّيَ زَكاتَها وإن كان غنيًّا فالأَوْلى له أن يَستعفِفَ عن أموالِهم، وإن كان فقيرًا أن يَأكُلَ بالمعروفِ، وقد قال اللهُ تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 6]، وإنْ كان عامِلًا بأموالِهم أن يَأخُذَ أُجرَةَ المِثْلِ، هذه أحكامُ الشَّرعِ، وهي غايةٌ في الحِكْمةِ والعَدْلِ
وفي الحديثِ: مشروعيَّةُ أكْلِ الوليِّ الفقيرِ مِن مالِ اليتيمِ الَّذي في حجْرِه بالمعروفِ
وفيه: التَّحذيرُ مِن إهلاكِ أموالِ اليَتامى بأيِّ صورةٍ