‌‌مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 43

‌‌مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 43

حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة
أن فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا مت؟ قال: ولدي وأهلي. قالت: فما لنا لا نرث النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن النبي لا يورث "، ولكني أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعول، وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق (1)

في هذا الحديثِ بيانُ ما حدَثَ بعدَ وفاةِ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم في شأنِ ما ترَكَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم من مالٍ وفيءٍ بينَ ورثةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم- وهم ابنتُه فاطمةُ وبعضٌ مِن زَوجاتِه- وبين خليفتَي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أبا بكر وعُمرَ؛

وفيه يقولُ أبو هُريرةَ رَضِي اللهُ عنه: "جاءَت فاطمةُ" بنتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "إلى أبي بكرٍ"، وهو خَليفةُ المُسلِمين بعدَ وفاةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقالت: "مَن يَرِثُك؟"،

فقال أبو بكرٍ رَضِي اللهُ عنه: "أهلي ووَلَديأي: كما نَصَّ اللهُ عزَّ وجلَّ في كِتابِه،

وبما سمَّى مِن ورَثةٍ، وتحديدِ نصيبِ كلِّ وارِثٍ مِنهم،

قالت فاطمةُ: "فما لي لا أَرِثُ أبي؟"، أي: فما المانِعُ الَّذي يمنَعُني مِن أخذِ ميراثِ أبي بمِثلِ ما يَرِثُ مِنك ولَدُك؟ فقال أبو بكرٍ رَضِي اللهُ عنه:

سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يقولُ: "لا نُورَثُ

وفي روايةٍ مِن حديثٍ آخرَ: "لا نُورَثُ، ما ترَكْنا صدَقةٌ"، أي: إنَّ ما ترَكْناه نحنُ جَماعةَ الأنبياءِ عليهم الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن أموالٍ لا تُورَثُ لأهلِنا، بل ما نَترُكُه يكونُ صدَقةً مِن بَعدِنا،

قال أبو بكرٍ: "ولكِنْ أَعولُ مَن كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يَعُولُه، وأُنفِقُ على مَن كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُنفِقُ عليه

أي: إنَّ أبا بكرٍ رَضِي اللهُ عنه يقومُ كخَليفةٍ لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بصَرْفِ ما كان يَصرِفُه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم على أهلِه ومَن يَعولُهم ويُنفِقُ عليهم.
قيل: والحِكْمةُ في عدَمِ الإرثِ بالنِّسبةِ إلى الأنبياءِ ألَّا يتَمنَّى بعضُ الورَثةِ موتَه فيَهْلِكَ وألَّا يَظُنَّ بهم أنَّهم راغِبون في الدُّنيا، ويَجمَعون المالَ لوَرثَتِهم وألَّا يَرغَبَ النَّاسُ في الدُّنيا وجَمْعِها،

بِناءً على ظَنِّهم أنَّ الأنبياءَ كانوا كذلك.