مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 48
حدثنا عبد الله بن نمير، قال: أخبرنا إسماعيل، عن أبي بكر بن أبي زهير، قال: أخبرت أن أبا بكر قال: يا رسول الله كيف الصلاح بعد هذه الآية: {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به} [النساء: 123] فكل سوء عملنا جزينا به (1) ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " غفر الله لك يا أبا بكر، ألست تمرض؟ ألست تنصب؟ ألست تحزن؟ ألست تصيبك اللأواء؟ " قال: بلى. قال: " فهو ما تجزون به " (2)
في هذا الحديثِ تَسليةٌ بَالغةٌ وإِعلامٌ بِأنَّه لا يَنالُ العبدَ شَيءٌ إلَّا كَفَّرَ اللهُ به عنه مِن خَطايَاه،
فيقولُ أبو بَكرِ بنُ أبي زُهَيرٍ الثَّقَفِي: "قال أبو بَكرٍ: يا رسول الله، كيف الصَّلاحُ بعد هذه الآيَةِ" بمَعنَى صَلاحِ الآخِرَةِ والنَّجاةِ من عَذابِها، وقيل: صَلاحُ الدنيا على وَجهٍ يؤدِّي إلى نَجاةِ الآخِرَةِ،
أو: كيف يتَّصِف الإنسانُ بالصَّلاحِ بعد نُزولِ قَولِه تَعالَى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123]؟! والمعنى: ما مِن ذَنبٍ يَفعَلُه الإنسانُ إلا ويُحاسِبُه به الله عزَّ وجلَّ،
والخَشيَةُ هنا من أبي بَكرٍ إنَّما هي من عذابِ الآخِرَةِ الذي سيَجتَمِعُ على المُسلِمِ بما كَسَب من السَّيِّئاتِ، - فذَكَر الحديثَ، أي حديثَ: "فكلُّ سوءٍ عَمِلنا جُزِينا به؟!"
بمعنى: لو أنَّ كلَّ ذَنبٍ أَخَذَنا الله به؛ فكيف النَّجاةُ من عذابِ الله عزَّ وجلَّ؟،
فقال رسول الله صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ: "غَفَر الله لك يا أبا بَكرٍ، أَلَستَ تَمرَضُ؟" فتُصيبكَ الأوجاعُ والأمراضُ، "أَلسْتَ تَنصَبُ؟" والنَّصبُ التَّعَبُ والمَشَقَّةُ، "أَلَسْتَ تَحزَنُ؟" من الحُزِن وهو الذي يُصاحِبُ المَصائِبَ، "أَلَسْتَ تُصيبُك اللَّأْواءُ؟"، وهي الشِّدَّةُ وضيقُ المَعيشَةِ، "قال: بلى" تُصيبُني كلُّ هذه الأُمورُ،
قال النبي صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ: "فهو ما تُجْزَون به"؛ أي: أنَّ المُسلِمَ يُجازَى بأعمالِهِ السَّيِّئَةِ في الدُّنيا بالمَصائبِ والمِحَنِ حتَّى يَخرُجَ من الدُّنيا طاهِرًا من الذُّنوبِ؛
فالابتِلاءُ في الدُّنيا يُكَفِّرُ ذُنوبَ المُسلِمِ، ويَحفَظُ له آخِرَتَه؛
حتَّى إنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيه وسَلَّمَ يقولُ: " وما يَزالُ البَلاءُ بالعَبدِ حتَّى يَمشِيَ على الأرضِ وليس عَلَيه خَطيئَةٌ".
وقيل: إنها آيةٌ عامَّةٌ للمُسلِمِ والكافِرِ؛ فمَن يَعمَلْ سوءًا يُجْزَ به سواءٌ كان مُسلِمًا أو كافِرًا لقَولِه قَبلَها: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} وقيل: هي عامَّةٌ في حقِّ المُسلمِين فكلُّ مَن عَمِل مِنهُم سُوءًا يُجْزَ به، إلَّا أن يَتوبَ قَبْل أن يَموتَ،
وقيل: هي في حقِّ الكُفَّارِ خاصَّةً بدَليلِ قَولِه تَعالَى:
{وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} وهذا هو الكافِرُ، وأمَّا المُؤمِنُ فله وَلِيٌّ ونَصيرٌ.