حديث المغيرة بن شعبة 77
مستند احمد
حدثنا وكيع، حدثنا سعيد بن عبيد الطائي، ومحمد بن قيس الأسدي، عن علي بن ربيعة الوالبي قال: إن أول من نيح عليه بالكوفة قرظة بن كعب الأنصاري، فقال المغيرة بن شعبة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: «من نيح عليه، فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة»
المَوتُ مُصيبةٌ عظيمةٌ؛ لِما فيه مِن فَقْدِ النَّاسِ والأحِبَّةِ، ولكنَّ كُلَّ مُصيبةٍ مهما عَظُمتْ فيُقابِلُها أجرٌ لِمَن صبَر على شِدَّتِها، وهكذا مُصيبةُ المَوتِ، ولكنْ كان مِن العاداتِ الجاهليَّةِ أنْ يُوصيَ الإنسانُ أنْ يُبْكى عليه ويُناحَ بما يُخالِفُ كلَّ الأعرافِ والشَّرائعِ، وقد نَهى الإسلامُ عن ذلك، وتَوعَّد المُتعمِّدَ والمُصِرَّ بالعِقابِ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ المَيِّتَ يُعذَّبُ في قَبْرِه بما نِيحَ عليه، ويُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الحَيِّ عليه، أي: إنَّ المَيتَ يُعذَّبُ في قَبرِه بعْدَ مَوتِه بسببِ النُّواحِ والبُكاءِ عليه، والنُّواحُ يكونُ فيه التَّعديدُ وذِكْرُ مَناقِبِ المَيتِ وما كان فيه مِن خِصالٍ، سواء بالحقِّ أو بالباطلِ، وهذا محمولٌ على ما إذا أَوْصى به، فإنَّه يُعذَّبُ على إيصائِه، وقيل: إنَّ المقصودَ بالعذابِ الألمُ، أي: إنَّ المَيتَ لَيتألَّمُ ببُكاءِ أهلِه عليه وما يَقعُ مِنهم
وفي روايةِ الصَّحيحَينِ، قال ابنُ عبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهما: «فلَمَّا مات عُمَرُ رضيَ اللهُ عنه، ذَكَرْتُ ذلك لِعائِشةَ رضيَ اللهُ عنها -ويَقصِدُ قولَ عُمرَ بأنَّ المَيتَ يُعذَّبُ ببُكاءِ أهْلِه عليه-، فقالَتْ: رَحِمَ اللهُ عُمَرَ، واللهِ ما حَدَّثَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ اللهَ لَيُعَذِّبُ المُؤمِنَ ببُكاءِ أهْلِه عليه، ولَكِنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: إنَّ اللهَ لَيَزِيدُ الكافرَ عَذابًا ببُكاءِ أهْلِه عليه، وقالَتْ: حَسْبُكُمُ القُرآنُ: {وَلَا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]»؛ فأنكرَتْ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ المَيتَ يُعذَّبُ بالبُكاءِ عليه؛ لظَنِّها أنَّ ذلك يَتعارَضُ مع قَولِه تعالى: {وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]، ثمَّ صحَّحَتْ رِوايةَ الحديثِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ
وفي الحديثِ: التَّحذيرُ مِن النِّياحةِ على المَيتِ بعْدَ خُروجِ الرُّوحِ