مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 53
حدثنا يحيى بن حماد، حدثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن عمير مولى العباس عن ابن عباس، قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر، خاصم العباس عليا في أشياء تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: شيء تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يحركه فلا أحركه. فلما استخلف عمر اختصما إليه، فقال: شيء لم يحركه أبو بكر فلست أحركه، قال: فلما استخلف عثمان اختصما إليه، قال: فأسكت عثمان ونكس رأسه، قال ابن عباس: فخشيت أن يأخذه، فضربت بيدي بين كتفي العباس، فقلت: يا أبت (1) ، أقسمت عليك إلا سلمته لعلي، قال: فسلمه له (2)
كان الخُلفاءُ الرَّاشِدونَ يَتَّبِعونَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كُلِّ ما جاءَ به،
ويَجتَهِدونَ رأْيَهم إذا لم يَجِدوا نَصًّا يَتوَجَّهونَ به
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنه: "لَمَّا قُبِضَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" وماتَ، "واستُخلِفَ أبو بَكرٍ" فتَوَلَّى الخِلافةَ بَعدَ بَيعةِ الناسِ له "خاصَمَ العَبَّاسُ علِيًّا في أشياءَ تَرَكَها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ" يَطلُبانِ منه أنْ يُقسِّمَ ما تَرَكَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أموالِ الفَيءِ كمِيراثٍ، ففي رِوايةِ مُسلِمٍ قال أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: "فجِئتُما تَطلُبُ ميراثَكَ مِنِ ابْنِ أخيكَ، ويَطلُبُ هذا ميراثَ امرأتِه مِن أبيها"، فأكَّدَ أنَّهما يَتخاصَمانِ في الميراثِ،
قال أبو بَكرٍ: "شَيءٌ تَرَكَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فلم يُحَرِّكْه" بل ثَبَّتَه في يَدِ آحادِ الناسِ، ولم يأخُذْه مِن يَدِه، "فلا أُحرِّكُه" بل أترُكُه على ما قَضَى به النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ،
وكان مُستَنَدُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه هو قَولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا نورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقةٌ" مُتَّفَقٌ عليه.
قال ابنُ عَبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: "فلَمَّا استُخلِفَ عُمَرُ اختَصَما إليه،
فقال: شَيءٌ لم يُحَرِّكْه أبو بَكرٍ فلستُ أُحَرِّكُه" بل أترُكُه وأُثَبِّتُه على ما تَرَكَه أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه،
"فلما استُخلِفَ عُثمانُ اختَصما إليه،
قال: فأُسكِتَ عُثمانُ" يَنظُرُ ويَتفَكَّرُ في الأمْرِ، "ونَكَّسَ رَأْسَه" خَفَضَها إلى الأرضِ،
قال ابنُ عَبَّاسٍ: "فخَشيتُ أنْ يأخُذَه"، أي: خِفتُ أنْ يُفكِّرَ عُثمانُ في أخْذِ أمْرِ رِعايةِ المالِ والأرضِ مِن يَدِ علِيٍّ ويَتوَلَّاها هو بصِفَتِه خَليفةَ المُسلِمينَ،
"فضَرَبتُ بيَدي بَينَ كَتِفَيِ العَبَّاسِ" يعني: أنَّه نَبَّه أباه العَبَّاسَ بلَمسِ كَتِفَيْه،
"فقُلتُ: يا أبَتِ أقسَمتُ عليكَ إلَّا سَلَّمتَه لِعلِيٍّ" وتَرَكتَ أمْرَه لِعلِيٍّ كما هو،
حتى لا يأخُذَه الخَليفةُ؛ فلا تَفوزَ به أنتَ ولا علِيٌّ، بل يَخرُجُ مِن أيديكما،
"قال: فسَلَّمَه له" وجَعَلَ أمْرَه بيَدِ علِيٍّ كما كان.