‌‌مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 54

‌‌مسند أبي بكر الصديق رضي الله عنه 54

حدثنا يحيى بن حماد، قال: حدثنا أبو عوانة، عن عاصم بن كليب، قال: حدثني شيخ من قريش من بني تيم، قال: حدثني فلان، وفلان، فعد ستة أو سبعة كلهم من قريش، فيهم عبد الله بن الزبير، قال:
بينا نحن جلوس عند عمر إذ دخل علي والعباس، قد ارتفعت أصواتهما، فقال عمر: مه يا عباس، قد علمت ما تقول، تقول: ابن أخي، ولي شطر المال، وقد علمت ما (1) تقول يا علي، تقول: ابنته تحتي، ولها شطر المال، وهذا ما كان في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رأينا كيف كان يصنع فيه، فوليه أبو بكر من بعده، فعمل فيه بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وليته من بعد أبي بكر فأحلف بالله لأجهدن أن أعمل فيه بعمل رسول الله وعمل أبي بكر.
ثم قال: حدثني أبو بكر - وحلف بالله (2) أنه لصادق - أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: " إن النبي لا يورث، وإنما ميراثه في فقراء المسلمين والمساكين "، وحدثني أبو بكر - وحلف بالله إنه صادق -: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن النبي (3) لا يموت حتى يؤمه بعض أمته ".
وهذا ما كان في يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد رأينا كيف كان يصنع فيه، فإن شئتما أعطيتكما لتعملا (4) فيه بعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل (5) أبي بكر حتى أدفعه إليكما، قال: فخلوا ثم جاءا، فقال العباس: ادفعه إلى علي، فإني قد طبت نفسا به له (6)

أَنَّ النَّبِيَّ  : يُحْتَمَلُ الْعَهْدُ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ غَيْبٍ، فَوَقَعَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْجِنْسُ

وَلَكِنْ لَا بُدَّ حِينَئِذٍ مِنْ تَخْصِيصِهِ بِنَبِيٍّ لَهُ أَتْبَاعٌ حَتَّى لَا يُشْكِلَ بِمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ مِنْ أَنَّهُ يَجِيءُ النَّبِيُّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ إِمَامًا لَهُ فِي آخِرِ مَرَضِهِ، وَهُوَ خِلَافُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَدْ أَمَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ يَكْفِي فِي  صِدْقِ هَذَا الْكَلَامِ، نَعَمْ ظَاهِرُ سَوْقِ عُمَرَ يَقْتَضِي أَنَّهُ نُبِّهَ بِهِ عَلَى إِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ.

 لَتَعْمَلَانِّ : - بِفَتْحِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ - عَلَى تَقْدِيرِ الْقَسَمِ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ الْمَقَامُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: "لِتَعْمَلَا" بِلَامِ كَيْ.

 حَتَّى أَدْفَعَهُ" : أَعْطِيَانِي الْعَهْدَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى أَدْفَعَهُ

 فَخَلَوَا : أَيْ: تَرَكَا، أَوْ مَضَيَا، أَوِ انْفَرَدَا بَيْنَهُمَا لِلْمَشُورَةِ

 "ادْفَعْهُ إِلَى عَلِيٍّ" : كَأَنَّهُ رَجَعَ إِلَى رَأْيِ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ بَعْدُ حَتَّى طَلَبَ الْمُشَارَكَةَ مَعَهُ كَمَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ"، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ