‌‌مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه103

مسند احمد

‌‌مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه103

حدثنا حسن، وعفان، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أهون أهل النار عذابا رجل في رجليه نعلان يغلي منهما دماغه، ومنهم في النار إلى كعبيه مع إجراء العذاب، ومنهم من في النار إلى ركبتيه مع إجراء العذاب، ومنهم من (1) اغتمر في النار إلى أرنبته مع إجراء العذاب، ومنهم من هو في النار إلى صدره مع إجراء العذاب، ومنهم من قد اغتمر في النار " قال عفان: " مع إجراء العذاب قد اغتمر " (1)

مَن أنْعَمَ اللهُ تعالى عليه بأنْ أَنْجاهُ مِن النَّارِ وأَدْخَلَه الجَنَّةَ فقدْ فازَ، فإنَّ عذابَ اللهِ وشِدَّتَه أمرٌ غيرُ مُتصوَّرٍ لأيِّ إنسانٍ، وما وصَفَهُ اللهُ في القُرآنِ، وما ذَكَرهُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سُنَّتِه مِن عذابِ العاصينَ يُوضِّحُ صُورةً مِن شِدَّةِ هذا العذابِ في جهنَّمَ وساءتْ مصيرًا، وهو ما يَسْتَدعي أنْ يَخافَ كلُّ إنسانٍ مِن سُوءِ العذابِ يومَ القِيامةِ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أبو سعيدٍ الخُدريُّ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ أهوَنَ أهْلِ النَّارِ عذابًا"، أي: إنَّ أقلَّ أهْلِ النَّارِ عذابًا، "رجُلٌ مُنتعِلٌ بنَعْلينِ مِن نارٍ"، أي: يُجعَلُ في قَدمَيهِ أو حَوْلَهما نَعْلانِ مُحيطانِ بهما، مَصنوعانِ مِن نارِ جهنَّم، كما قال تعالى: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج: 19]، ومع تَصوُّرِ هذينِ النَّعْلينِ، وأنَّه أقلُّ أهلِ النَّارِ عذابًا، فإنَّه "يَغْلي منهما دِماغُه"، وغَليانُ الدِّماغِ مِن حَرارةِ النَّعلينِ يُوضِّحُ مَدى شِدَّةِ هذه الحرارةِ الصَّادرةِ عن نَعْلينِ فقطْ مِن النَّارِ، وتدلُّ على أنَّ العذابَ والغَليانَ قد وقَعَا على الجَسدِ كلِّه، "مع أجزاءِ العذابِ"، وأجزاءٌ: جمْعُ جُزءٍ أي: مع سائرِ أنواعِ العذابِ، أو مَصدَرُ أجْزَأَ، أي: مع كِفايةِ ذلك العذابِ له، وظاهِرُ بعضِ النُّسخِ أنَّه مَصدَرُ أجْرى- بالرَّاءِ- أي: مع إجراءِ العذابِ على تَمامِ بَدَنِه.
ثمَّ بيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ العذابَ يكونُ على قَدْرِ العمَلِ، وأنَّ الجسَدَ يُعذَّبُ بأنواعٍ مِن النِّيرانِ؛ فقال صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "ومنهم مَن في النَّارِ إلى كَعبيْهِ مع أجزاءِ العذابِ، ومنهم مَن في النَّارِ إلى رُكبتَيْه مع أجزاءِ العذابِ، ومنهم مَن في النَّارِ إلى أرْنَبَتِه"، وهي طرَفُ الأنْفِ، "مع إجراءِ العذابِ، ومنهم مَن في النَّارِ إلى صَدْرِه مع إجراءِ العذابِ، ومنهم مَن قدِ اغتمَرَ"، أي: قد غطَّتْهُ النَّارُ كلَّه.
وفي الحديثِ: بَيانُ شدَّةِ عذابِ النَّارِ، وأنَّ أقلَّه نَعلانِ يَغلي منهما الدِّماغُ.
وفيه: التَّخويفُ مِن النَّارِ، والحثُّ على عَملِ ما يُبعِدُ عنها.