مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه119
مسند احمد
حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا أبو بكر، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال عمر: يا رسول الله، سمعت فلانا يقول خيرا، ذكر أنك أعطيته دينارين، قال: " لكن فلان لا يقول ذلك، ولا يثني به، لقد أعطيته ما بين العشرة إلى المائة - أو قال: إلى المائتين - وإن أحدهم ليسألني المسألة، فأعطيها إياه، فيخرج بها متأبطها، وما هي لهم (1) إلا نار "، قال عمر: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم تعطيهم؟ قال: " إنهم يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله لي البخل " (2)
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن صورةٍ من صُوَرِ مُؤاخَذَةِ اللهِ عزَّ وجلَّ لمَن سَأَلَ النَّاسَ، وله ما يُغْنيهِ، فيقولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ الرَّجُلَ"، أي: ممَّن له مالٌ يُغنيهِ عن السُّؤالِ، "يَأتيني فيَسْأَلُني فأُعْطيهِ"، أي: يَأتي لِيَطلُبَ مالًا، فيُعطيهِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وهو يَعلَمُ أنَّه لا يَحتاجُ إلى هذا المالِ، لكنَّه يُعطيهِ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليس بالبَخيلِ، كما جاء في الحديثِ الذي خرَّجه أحمدُ عن أبي سعيدٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: "إنَّ أحدَهم لَيَسأَلُني المَسْأَلَةَ، فأُعْطيها إيَّاه، فيَخرُجُ بها مُتأَبِّطُها، وما هي لهم إلَّا نارٌ "، قال عُمَرُ: يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلِمَ تُعْطيهم؟ قال: «إنَّهم يَأبَوْنَ إلَّا أنْ يَسْأَلوني، ويَأبى اللهُ ليَ البُخْلَ".
قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فيَنطَلِقُ" هذا الرَّجُل بما أخَذ من مالٍ لا يَحِلُّ له يَحمِلُه بين يَدَيهِ حتى إنَّه يَحوطُه ويَضعُه في حِضنِه كما في الحديثِ، لكنَّه يَومَ القيامَةِ يَأتي بما أخَذ في الدُّنيا، فيَحمِلُه في حِضنِه نارًا، كما حَمَلَه في الدُّنيا، وأخَذ ما لا يَحِلُّ له، فالجَزاءُ من جِنسِ العَمَلِ، فكما حَمَلَه في الدُّنيا مالًا، حَمَلَه في الآخِرَةِ نارًا( ).