‌‌مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه13

مسند احمد

‌‌مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه13

حدثنا أبو عامر، حدثنا عباد يعني ابن راشد، عن داود بن أبي هند، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى (1) في قبورها، فإذا الإنسان دفن فتفرق عنه أصحابه، جاءه ملك في يده مطراق فأقعده، قال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فيقول: صدقت ثم يفتح له باب إلى النار، فيقول: هذا كان منزلك لو كفرت بربك، فأما إذ آمنت فهذا منزلك، فيفتح له باب إلى الجنة، فيريد أن ينهض إليه فيقول له: اسكن ويفسح له في قبره، وإن كان كافرا أو منافقا يقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا، فيقول: لا دريت، ولا تليت، ولا اهتديت، ثم يفتح له باب إلى الجنة فيقول: هذا منزلك لو آمنت بربك، فأما إذ كفرت به فإن الله عز وجل أبدلك به هذا، ويفتح له باب إلى النار، ثم يقمعه قمعة (1) بالمطراق يسمعها (2) خلق الله كلهم غير الثقلين " فقال بعض القوم: يا رسول الله، ما أحد يقوم عليه ملك في يده مطراق إلا هيل (3) عند ذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " [إبراهيم:27] (4)

أَرسَلَ اللهُ تعالى نبيَّه مُحمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَشيرًا ونذيرًا، فبشَّرَ مَن آمَنَ وعَمِلَ صالحًا بالخيرِ والنَّعيمِ عِندَ اللهِ، كما حذَّرَ وأنذَرَ مَن كفَرَ مِن العذابِ والمهانةِ بعدَ المَوتِ عِندَ اللهِ، وبَيَّنَ أنَّ القبرَ أوَّلُ مَنازلِ الآخِرةِ، وفيه يَلْقى الميِّتُ أُولَى دَرجاتِ الحِسابِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سعيدٍ الخُدْريُّ رَضِي اللهُ عنه: "كنَّا مع نبيِّنا في جِنازةٍ فقال: يا أيُّها الناسُ، إنَّ هذه الأُمَّةَ تُبتَلى في قبورِها" تُمتحَنُ، ثمَّ تُنعَّمُ أو تُعذَّبُ، "فإذا الإنسانُ دُفِن فتَفرَّقَ عنه أصحابُه" وذهَبوا بعدَ الدَّفنِ وإدخالِ الميِّتِ في قبرِه، "جاءَه ملَكٌ في يدِه مِطراقٌ" اسمٌ لآلةِ الضربِ كالعَصا ونحوِها، "فأقعَدَه فقال له: ما تقولُ في هذا الرجُلِ؟" يَقصِدُ: ما اعتقادُك في الرسولِ الذي أرسَلَه اللهُ إليكم، وهو محمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟ "فإنْ كان مؤمنًا قال: أَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أَشهَدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسولُه" كما قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} [إبراهيم: 27]، "فيُقالُ له: صدَقتَ" في إخبارِك باعتقادِك؛ فإنَّك كنتَ مؤمنًا في الدُّنيا، ونطَقتَ باعتقادِك الصحيحِ في قبرِك، "ويُفتَحُ له بابٌ إلى النارِ، فيُقالُ له: هذا كان منزلَك لو كفَرتَ بربِّك، فأمَّا إذ آمَنتَ به، فإنَّ اللهَ أبدَلَك به هذا، فيُفتَحُ له بابٌ مِن الجنَّةِ، فيُريدُ أنِّ يَنهَضَ إليه" ويقومَ فيدخُلَ الجنَّةَ، "فيُقالُ له: اسكُنْ" واهدَأْ ونَمْ في قبرِك حتى تقومَ الساعةُ، "ويُفتَحُ له في قبرِه"، أي: يُوسَّعُ له في قبرِه ولا يُضيَّقُ عليه.
قال: "وأمَّا الكافرُ أو المنافقُ" وهو الذي كان كذلك في الدُّنيا، "فيُقالُ له: ما تقولُ في هذا الرجُلِ؟" المُرسَلِ إليكم مِن اللهِ، "فيقولُ: لا أَدري، سَمِعتُ الناسَ يقولونَ قولًا!" في الكفرِ، فتَبِعتُهم ولم أتَّبِعِ الرسولَ، فيقولُ له المَلَكُ: "لا دَرَيتَ ولا تَلَيتَ ولا اهتدَيتَ"، والمعنى: لا فَهِمتَ ولا قرأتَ القرآنَ، ولا اتَّبَعتَ مَن يَدري الحقَّ، ولا اهتدَيتَ مع المُهتدِين، أو هو دعاءٌ عليه بألَّا يَدريَ ولا يهتديَ، "ثمَّ يُفتَحُ له بابٌ إلى الجنَّةِ، فيُقالُ له: هذا كان منزلَك لو آمَنتَ بربِّك"، وهذا من الزِّيادةِ في التحسيرِ والعذابِ، "فأمَّا إذ كفَرتَ بربِّك، فإنَّ اللهَ قد أبدَلَك به هذا، ثمَّ يُفتَحُ له بابٌ مِن النارِ"، فيَرى مكانَه في النارِ، "ثمَّ يَقمَعُه ذلك الملَكُ قَمعةً بالمِطراقِ" فيضرِبُه ضربةً قويَّةً بهذه الآلةِ، "فيَسمَعُها خلقُ اللهِ كلُّهم إلَّا الثَّقَلينِ" وهو الجنُّ والإنسُ؛ وسموا بالثَّقلَينِ لأنَّهم كالثِّقلِ على وجهِ الأرضِ. "قال بعضُ أصحابِ رسولِ اللهِ: ما منَّا أحدٌ يقومُ على رأسِه ملَكٌ في يدِه مِطراقٌ إلَّا ذهَلَ عِندَ ذلك، فقال رسولُ اللهِ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم: 27]".
وفي الحديثِ: إثباتٌ لعذابِ القَبرِ ونعيمِه.
وفيه: بيانُ ضَرورةِ عدمِ التقليدِ في أُصولِ الدِّينِ، وأنَّه ينبغي للعاقلِ أن يكونَ عارفًا بما يَعتقِدُه، على يقينٍ مِن ذلك، لا يُقلِّدُ فيه أحدًا؛ فإنَّ المُقلِّدَ كالأَعمى يَتْبعُ القائدَ.
وفيه: التَّنبيهُ إلى فَضلِ الإيمانِ ومَغبَّةِ الكُفرِ في القَبرِ وبعدَ الموتِ .