مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه179
مسند احمد
حدثنا يحيى، حدثنا ابن أبي ذئب، حدثنا سعيد بن أبي سعيد، عن عبد الرحمن بن أبي سعيد، عن أبيه، قال: حبسنا يوم الخندق عن الصلوات حتى كان بعد المغرب هويا، وذلك قبل أن ينزل في القتال ما نزل، فلما كفينا القتال، وذلك قوله: {وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا} [الأحزاب: 25] " أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا فأقام الظهر، فصلاها كما يصليها في وقتها، ثم أقام العصر فصلاها كما يصليها في وقتها، ثم أقام المغرب فصلاها كما يصليها في وقتها " (1)
حفَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم مع أصحابِه خَندَقَ شَمالَ المدينةِ لِحمايتِها مِن الأحزابِ الَّتي جمعَتْها قُريشٌ لحَربِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأصحابِه؛ وسُمِّيت هذه الغَزوةُ بغَزوةِ الخندقِ وغزوة الأحزابِ لذلِك، وكانَتْ هذه الغزوةُ في السَّنةِ الخامسة مِن الهِجرة،ِ وقد ابْتُلِي المؤمنون فيها وزُلْزِلوا زِلْزالًا شديدًا، كما أخبرَ اللهُ تعالى عنهم في سُورةِ الأحزابِ.
وفي هذا الحديثِ بعضُ ما حصَل في تِلك الغزوةِ، وفيه يقولُ عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "إنَّ المشرِكينَ شَغَلوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم" حيثُ اشتَغَل بالحَفْرِ والحِراسَةِ مَنعًا للمُشرِكين مِن دُخولِ المدينةِ، "عن أربَعِ صَلَواتٍ يومَ الخندَقِ"، أي: لم يُصلِّها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وأصحابُه على وقتِها، وفي روايةٍ للنَّسائيِّ مِن حديثِ أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِي اللهُ عَنه: "شَغَلَنا المشرِكون يومَ الخندَقِ عن صَلاةِ الظُّهرِ، حتَّى غرَبَت الشَّمسُ، وذلك قبلَ أن يَنزِلَ في القِتالِ ما نزَل"، أي: حتَّى دخَل وقتُ العِشاءِ، وخرَج وقتُ الظُّهرِ والعصرِ والمغرِبِ، وكان ذلك قبلَ تَشريعِ صلاةِ الخوفِ.
قال ابنُ مسعودٍ رَضِي اللهُ عَنه: فأمَر النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بِلالًا، وذلك بعدَ أنْ تفرَّقَتْ كلمةُ الأحزابِ وانسَحَبوا، وذلك بما أرسَله مِن جُندٍ في قولِه تعالى: {إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]؛ "فأذَّن ثمَّ أقام"، أي: بعدَما غرَبَت الشَّمسُ، وكان بِلالٌ مُؤذِّنَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فصلَّى الظُّهرَ، ثمَّ أقام، فصلَّى العصرَ، ثمَّ أقام، فصلَّى المغرِبَ، ثمَّ أقام، فصلَّى العِشاءَ"، أي: أدَّى ما فاتَه مِن صلاةٍ على التَّرتيبِ الَّتي هي علَيه بأَذانٍ واحدٍ وإقامةٍ لكلِّ صلاةٍ، وفي حديثِ أبي سَعيدٍ المتقدِّمِ، قال: "فصَلَّاها كما كان يُصلِّيها لوَقْتِها"، أي: على وجهِ التَّمامِ والكَمالِ دونَ قَصرٍ للأربعِ الرَّكَعاتِ.
وفي الحديثِ: أنَّ الاشتِغالَ بالعدوِّ كان عُذرًا في تأخيرِ الصَّلاةِ قَبلَ نُزولِ صَلاةِ الخوفِ، وأمَّا بَعدَ نُزولِها فلا يجوزُ تأخيرُ الصَّلاةِ عن وقتِها بسَببِ العدوِّ والقِتالِ، بل تُصلَّى صلاةُ الخوفِ على حسَب الحالِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ قَضاءِ ما فاتَ مِن الصَّلاةِ لعُذرٍ، وأنَّ الفوائتَ تُقضَى مُرتَّبةً، كما تُصلَّى الصلواتُ الوقتيَّةُ مُرتَّبةً.
وفيه: مَشروعيَّةُ الجماعةِ في الفوائتِ.