مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه240
حدثنا وكيع، عن مالك بن أنس، عن أيوب بن حبيب، مولى بني زهرة، عن أبي المثنى الجهني، قال: كنت جالسا عند مروان بن الحكم، فدخل أبو سعيد الخدري، فقال له مروان: أسمعت النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن النفخ في الشرب (2) ، فقال: " نعم ". قال (3) : فقال له رجل: فإني لا أروى بنفس واحد، قال: " أبنه عن فيك، ثم تنفس "، قال: فإن رأيت قذى (1) ؟ قال: " فأهرقه
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُعلِّمُ أمَّتَه ما ينفَعُهم في أُمورِ دِينِهم ودُنياهم، فكان صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم يُرشِدُ أصحابَه إلى الخيرِ في أمورِهم الحياتيَّةِ؛ حتَّى يُصيبوا خيرَيِ الدُّنيا والآخِرَةِ.
وفي هذا الحديثِ: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "نهى عن النَّفخِ في الشَّرابِ"، أي: منَع صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم أن يَنفُخَ أحدٌ أو يتَنفَّسَ في الإناءِ الَّذي سيَشرَبُ منه؛ ماءً أو غيرَه مِن أنواعِ الشُّربِ، وقيل: يشملُ ذلك الحُكمُ المأكولاتِ أيضًا؛ وذلك بأنْ يَكونَ الشَّرابُ الَّذي سيَشرَبُه ساخِنًا، فيُريدَ أن يُبرِّدَه فيَنفُخَ فيه، أو يتَنفَّسَ في الإناءِ وهو يشرَبُ منه، وقيل: علَّةُ النَّهيِ عن النَّفخِ حتَّى لا يطيرَ شيءٌ مِن الفمِ مِن الرِّيقِ أو غيرِه، فيُصيبَ الشَّرابَ فيَتقَذَّرَ النَّاسُ أو يَفسَدَ الشَّرابُ، "فقال رجلٌ"، أي: فقال رجلٌ مِن الحاضرين للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "القَذَاةُ"، أي: ما يقَعُ في الشَّرابِ مِن تُرابٍ أو وسَخٍ أو قَذَرٍ، "أراها في الإناءِ"، أي: ماذا أفعَلُ إذا رأيتُ وسَخًا أو قذرًا في الشَّرابِ؟ "فقال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "أَهْرِقْها"، أي: أَزِحِ القذاةَ وأَلْقِها من الشَّرابِ ولا تَنفُخْ فيه؛ فمَن وجَد شيئًا في الشَّرابِ فَلْيُبعِدْه ولا يَنفُخْ في الشَّرابِ.
"فقال"، أي: الرَّجلُ السَّائلُ: "فإنِّي لا أَرْوى مِن نفَسٍ واحدٍ"، أي: فإنِّي إذا شَرِبتُ لا أشبَعُ ولا أرتَوي إلَّا إذا تنفَّستُ أثناءَ الشُّربِ فكيف أفعَلُ؟ "قال"، أي: النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فأَبِنْ"، أي: فأبعِدْ وأخِّرِ، "القَدَحَ"، أي: الإناءَ، "إذًا عن فيك"، أي: عن فَمِك، والمقصودُ: إذا أردتَ أن تتَنفَّسَ أثناءَ الشُّربِ فأبعِدِ الإناءَ عن فَمِك حتَّى لا تتَنفَّسَ داخلَ الإناءِ، فالتَّنفُّسُ يكونُ خارِجَ الإناءِ أثناءَ الشُّربِ.
وفي الحديثِ: بيانُ تيسيرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم ورَحمتِه بأمَّتِه.