مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه334
مسند احمد
حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من استعف أعفه الله، ومن استغنى أغناه الله، ومن سألنا شيئا فوجدناه أعطيناه إياه " (1)
حَثَّ دِينُنا الحَنيفُ المُؤمِنَ على العَفافِ والاستِغناءِ عنِ الخَلقِ، وألَّا يَسأَلَ المُسلِمُ النَّاسَ إلَّا إذا كان مُضطَرًّا.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو سَعيدٍ الخُدريُّ رَضيَ اللهُ عنه: "سَرَّحَتْني أُمِّي إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: أرسَلَتْني إليه لأَطلُبَ منه أنْ يُعطِيَهم مالًا لِحاجةٍ كانَتْ بهم، "فأتَيْتُه فقَعَدتُ" أمامَه، "فاستَقبَلَني" بأنْ تَوَجَّهَ إلَيَّ بوَجهِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكَأنَّه عَرَفَ ما يُريدُه، فحَثَّه على العِفَّةِ والاستِكفاءِ باللهِ، "وقالَ: مَن استَغْنى أغناهُ اللهُ"، يعني: مَن تَخَلَّى عن سُؤالِ الناسِ وسَألَ اللهَ، أغناهُ اللهُ عن سُؤالِ الناسِ، "ومَنِ استَعَفَّ أعَفَّهُ اللهُ"، ومَن طَلَبَ مِنَ اللهِ العَفافَ والرِّضا بما كُتِبَ له رَزَقَه اللهُ العِفَّةَ في نَفْسِه وأقنَعَه بما في يَدَيْه، "ومَنِ استَكَفَّ كَفاهُ اللهُ"، ومَن طَلَبَ مِنَ اللهِ الكَفافَ والكِفايةَ مِنَ الرِّزقِ الذي يُغنيه عن سُؤالِ الناسِ رَزَقَهُ اللهُ ما يَكفيهِ وجَعَلَ غِناهُ في قَلبِه. وهذا تَوجيهٌ إلى طَلَبِ المالِ بالطُّرُقِ والأسبابِ المَشروعةِ؛ لكَسْبِ المالِ مِنَ العَمَلِ والجَهدِ، مع الدُّعاءِ للهِ، ثم قالَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ومَن سألَ وله قيمةُ أوقيَّةٍ"، أي: مَن طَلَبَ مِنَ النَّاسِ أنْ يُساعِدوه بالمالِ وعِندَه مال بقدر الأوقيَّةِ -وكانت تُساوي على عَهدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أربَعينَ دِرهمًا، وحاليًّا تساوي تقريبًا مقدار199 جرامًا مِن الفِضَّةِ، "فقد ألْحَفَ" فقد ألَحَّ بشِدَّةٍ في السُّؤالِ، وهذا مَنهيٌّ عنه، "فقُلتُ: ناقَتي التي اسْمُها "الياقوتةُ خَيرٌ مِن أوقيَّةٍ، فرَجَعتُ ولم أسألْه"، ولم أَطلُبْ منه شَيئًا مِنَ المالِ.
وفي الحَديثِ: دَعوةٌ إلى التَّحَلِّي بمحاسِنِ الأخلاقِ، مِنَ العِفَّةِ والاستِغناءِ عنِ الناسِ.
وفيه: بَيانُ أنَّ الغِنى والعِفَّةَ والكَفافَ وكُلَّ الأمورِ هي بقَدَرِ اللهِ، وتُسألُ منه وَحدَه.
وفيه: بَيانُ عِفَّةِ أبي سَعيدٍ الخُدريِّ وكَثيرٍ مِنَ الصَّحابةِ، مع امتِثالِهم لِأوامِرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، مع حُسنِ الظَّنِّ باللهِ.