مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه54
مسند احمد
حدثنا مؤمل بن إسماعيل، قال: حدثنا حماد يعني ابن سلمة، حدثنا الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إذا أتى أحدكم حائطا فأراد أن يأكل، فليناد: يا صاحب الحائط ثلاثا، فإن أجابه وإلا فليأكل، وإذا مر أحدكم بإبل فأراد أن يشرب من ألبانها، فليناد (1) : يا صاحب الإبل - أو يا راعي الإبل - فإن أجابه وإلا فليشرب، والضيافة ثلاثة أيام، فما زاد فهو صدقة " (2)
المسلمُ مأمورٌ بالتحرُّزِ والاحتياطِ لدِينِه، وألَّا يخوضَ في مالِ غيرِه بغيرِ حقٍّ، وقد حدَّدَ الشرعُ ضوابطَ الحاجةِ والضرورةِ التي تُبيحُ للإنسانِ أنْ يأكُلَ ممَّا لا يَملِكُه للحِفاظِ على النَّفسِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إذا أَتى أحدُكم على راعي إبلٍ"؛ أي: مَرَّ ونزَلَ على رعيَّةٍ فيها إبلٌ، "فلْيُنادِي: يا راعيَ الإبلِ، ثلاثًا"، وفي روايةِ أبي داودَ مِن حديثِ سَمُرةَ بنِ جُندُبٍ رَضِي اللهُ عنه: "فإنْ كان فيها صاحِبُها فلْيَستأذِنْه، فإنْ أَذِن له فلْيَحتلِبْ ولْيَشرَبْ، وإنْ لم يكنْ فيها أحدٌ فلْيُصوِّتْ ثلاثًا، فإنْ أجابَهُ أحدٌ فلْيَستأذِنْه، فإنْ لم يُجِبْهُ أحدٌ"، والمعنى: فلْيُنادِ بأَعْلى صَوتِه، ولْيَقُلْ: يا صاحبَ هذه الإبلِ؛ حتى يَتأكَّدَ أنَّ راعيَها غائبٌ، فإذا تأكَّدَ مِن عدمِ وجودِه، "فلْيَحلِبْ ولْيَشرَبْ" قدْرَ كِفايَتِه، ما دامَ مُضطرًّا لذلك، "ولا يَحمِلَنَّ" شيئًا معه؛ لأنَّ المأذونَ فيه هو قدْرُ ما يَدفَعُ الضَّرورةَ والحاجةَ، وإلَّا فلا يُباحُ له مالُ غيرِه، ويرُدُّ قيمتَه إلى مالِكِه عِندَ القُدرةِ، وقيل: لا يَلزَمُه ردُّ قيمتِه، وهذا إذا كان المارُّ بالإبلِ مُضطرًّا لهذا الطعامِ والارتواءِ، وبمِثلِ هذا المعنى في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "وإذا أَتى أحدُكم على حائطٍ فلْيُنادِ ثلاثًا: يا أصحابَ الحائطِ، فإنْ أجابَهُ، وإلَّا فلْيأكُلْ ولا يَحمِلَنَّ"، والحائطُ: هو البُستانُ المزروعُ.
وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الضِّيافةُ ثلاثةُ أيَّامٍ، فما زادَ فصدَقةٌ"؛ يعني: أنَّ حقَّ الضَّيفِ هو ثلاثةُ أيَّامٍ يَتكلَّفُ فيها المُضيفُ لضِيافتِه، فإذا انقضَتِ الأيَّامُ الثَّلاثةُ، فإنَّ حَقَّ الضِّيافةِ قد انقطَعَ، وهذا الزَّائدُ يُعَدُّ صدَقةً مِنَ المُضيفِ على ضَيفِه، وليس مِن حقِّ الضِّيافةِ( ).