مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه571
مسند احمد
حدثنا عبد الرزاق، حدثنا (3) سفيان، عن عثمان البتي، عن أبي الخليل، عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا نساء من سبي أوطاس، ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن ولهن أزواج، فسألنا النبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية: {والمحصنات من النساء، إلا ما ملكت أيمانكم} [النساء: 24] قال: " فاستحللنا بها فروجهن " (1)
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أبو سعيدٍ الخُدريُّ رَضِي اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم في غَزوةِ حُنينٍ، والتي وقَعَت في السَّنةِ الثَّامنةِ مِن الهجرةِ عَقِبَ فتْحِ مكَّةَ، بيْن المسلمينَ وأهلِ الطَّائفِ مِن قَبيلتَي هَوازِنَ وثَقيفَ، في وادٍ يُسمَّى حُنَينًا، بيْن مَدينةِ مكَّةَ والطَّائفِ، وكان الكفَّارُ قد خَرَجوا بأموالِهم ونِسائهِم وأطفالِهم، وبعْدَ هَزيمةِ هَوازنَ وثَقيفَ ونصْرِ اللهِ لنَبيِّه وللمسلمين، انسَحَبَ الفارُّونَ مِن الكفَّارِ إلى وادي أوطاسٍ، وهو قَريبٌ مِن حُنَينٍ، فبَعَثَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إليهم جَيشًا إلى أَوطاسٍ، فلَقُوا عَدوًّا منَ الكُفَّارِ، فَقاتَلوهم فظَهَروا عليهم وغَلبوهم، وكان مِن غَنائمِهم سَبَايَا مِن نِساءِ المشركين، فجَعَل بعضٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يَتحرَّجون -والتَّحرُّجُ هو الخوفُ مِن مُواقَعةِ الإثمِ- مِن «غِشْيانِهنَّ»، أي: مُعاشرتِهنَّ وجِماعِهنَّ؛ وذلك مِن أجلِ أنَّهنَّ زَوجاتٌ، والمُزوَّجةُ لا تَحِلُّ لغيرِ زَوجِها، فقدْ ظَنُّوا أنَّ نِكاحَ أزواجِهنَّ لم تَنقطِعْ عِصمتُه، فأَنزَلَ اللهُ تَعالى في شأنِ بَيانِ وَطْءِ مَن تَحرَّجوا فيهنَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، أي: حُرِّم عليكم نِكاحُ المُحصَناتِ -والمرادُ بالمُحصَناتِ هنا المُزوَّجاتُ- إلَّا ما ملَكْتُم بالسَّبيِ؛ فإنَّه يَنفسِخُ نِكاحُ أزواجِهنَّ الكفَّارِ، ويَحلَلْنَ لكم بعْدَ استِبراءِ أَرحامِهنَّ مِن ماءِ الزَّوجِ الكافرِ؛ إمَّا بوضْعِ الحملِ إذا كانت حاملًا، أو بحَيضةٍ واحدةٍ إنْ لم تكُنْ مِن ذَواتِ الحمْلِ.
وفي الحَديثِ: أنَّ نِكاحَ المشركين يَنفسِخُ إذا سُبِيَت زَوجاتُهم؛ لدُخولِها في ملْكِ سابِيها.
وفيه: دَلالةٌ على تَوقُّفِ الإنسانِ وبَحثِه، وسُؤالِه عمَّا لا يَتحقَّقُ وَجْهُه ولا حُكمُه، وهو دأْبُ مَن يَخافُ اللهَ عزَّ وجلَّ.