مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه589
مسند احمد
حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، قال: حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري ثم الظفري، عن محمود بن لبيد أحد بني عبد الأشهل، عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " يفتح (1) يأجوج ومأجوج، يخرجون على الناس، كما قال الله عز وجل: {من كل حدب ينسلون} [الأنبياء: 96] ، فيغشون الأرض، وينحاز المسلمون عنهم إلى مدائنهم وحصونهم، ويضمون إليهم مواشيهم، ويشربون مياه الأرض، حتى إن بعضهم ليمر بالنهر فيشربون ما فيه، حتى يتركوه يبسا، حتى إن من بعدهم ليمر بذلك النهر فيقول: قد كان هاهنا ماء مرة، حتى إذا لم يبق من الناس إلا أحد في حصن أو مدينة قال قائلهم: هؤلاء أهل الأرض، قد فرغنا منهم، بقي أهل السماء "، قال: " ثم يهز أحدهم حربته ثم يرمي بها إلى السماء، فترجع إليه (2) مختضبة دما، للبلاء والفتنة، فبينا هم على ذلك، بعث (3) الله دودا في أعناقهم، كنغف الجراد (4) الذي يخرج في أعناقهم، (5) فيصبحون موتى لا يسمع لهم حسا (1) ، فيقول المسلمون: ألا رجل يشري لنا (2) نفسه فينظر ما فعل هذا العدو ". قال: " فيتجرد رجل منهم لذلك محتسبا لنفسه (3) قد أظنها (4) على أنه مقتول، فينزل، فيجدهم موتى بعضهم على بعض، فينادي: يا معشر المسلمين، ألا أبشروا، فإن الله قد كفاكم عدوكم. فيخرجون من مدائنهم، وحصونهم، ويسرحون مواشيهم، فما يكون لها رعي إلا لحومهم، فتشكر عنه كأحسن ما تشكر عن شيء من النبات أصابته قط " (5)
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أبو سَعيدٍ الخُدْريُّ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "تُفتَحُ يَأجُوجُ ومَأجوجُ"، أي: يُفتَحُ له السَّدُّ الَّذي بَناه ذو القَرنَينِ علَيهم، كما في قولِه تعالى: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا * آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 94 - 97]، قال صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فيَخرُجون كما قال اللهُ تعالى: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء: 96]"، أي: يَنتشِرون مِن كلِّ ناحيةٍ، أو أنَّهم يَأتون مِن كلِّ مكانٍ، "فيَعُمُّون الأرضَ"، أي: يَملؤون الأرضَ، "ويَنْحازُ مِنهم المسلِمون"، أي: يتَحصَّنون مِنهم، "حتَّى تَصيرَ بقيَّةُ المسلِمين في مَدائنِهم وحُصونِهم، ويَضُمُّون إليهم مَواشِيَهم"، أي: يجمَعُ المسلِمون حَيَواناتِهم في الحُصونِ معَهم؛ لحِمايَتِها مِن يأجوجَ ومأجوجَ، "حتَّى إنَّهم لَيَمُرُّون بالنَّهرِ فيَشرَبونه، حتَّى ما يذَرون فيه شيئًا"، أي: يَشرَبُ يأجوجُ ومأجوجُ ماءَ الأنهارِ ولا يُبْقون منها شيئًا؛ وذلك لكثرَةِ عدَدِهم وعِظَمِ خَلْقِهم، "فيمُرُّ آخِرُهم على أثَرِهم فيَقولُ قائلُهم"، أي: أحَدُ هؤلاءِ المتأخِّرين: "لقد كان بهذا المكانِ مرَّةً ماءٌ"، وهذا مِن المبالَغةِ في إظهارِ أعدادِهم وكَثرتِها، "ويَظهَرون على الأرضِ"، أي: يَغلِبون أهلَ الأرضِ، "فيَقولُ قائِلُهم: هؤلاءِ أهلُ الأرضِ قد فرَغْنا مِنهم، ولَنُنازِلَنَّ أهلَ السَّماءِ، حتَّى إنَّ أحَدَهم لَيَهُزُّ حَرْبتَه إلى السَّماءِ، فتَرجِعُ مُخضَبةً بالدَّمِ"، أي: يُصوِّبُ الرَّجلُ مِن يَأجوجَ ومأجوجَ بسِهامِه إلى السَّماءِ، فتَرجِعُ وتَعودُ السِّهامُ مَصبوغةً بالدِّماءِ؛ فِتنةً مِن اللهِ وبَلاءً لهم، "فيَقولون: قد قتَلْنا أهلَ السَّماءِ"، أي: يَقولون ذلك افتِخارًا وتَكبُّرًا، "فبَيْنما هم كذَلك إذْ بعَثَ اللهُ دَوابَّ كنَغَفِ الجَرادِ"، وهو نوعٌ مِن الحشَراتِ والدِّيدانِ، يُسمَّى النَّغَفَ، "فتَأخُذُ بأعناقِهم". وفي روايةٍ: "في أقفائِهم"، أي: يَكونُ هذا الدُّودُ مِن وَراءِ أعناقِهم ورُؤوسِهم، "فيَموتون موتَ الجرادِ"، أي: يَموتون مَوتًا بأعدادٍ كثيرةٍ، "يَركَبُ بَعضُهم بعضًا"، أي: مِن كَثرةِ القَتْلى يَركَبُ بعضُهم على بعضٍ، "فيُصبِحُ المسلِمون لا يَسمَعون لهم حِسًّا"، أي: صوتًا، "فيَقولون"، أي: المسلِمون وهم في حُصونِهم: "مَن رجُلٌ يَشْري نفْسَه"، أي: يَبيعُ نفْسَه، "ويَنظُرُ ما فعَلوا؟"، أي: يَستطلِعُ أخبارَ يأجوجَ ومأجوجَ؟ "فيَنزِلُ مِنهم رجلٌ قد وطَّن نفْسَه"، أي: قد هيَّأ نفسَه "على أن يَقتُلوه؛ فيَجِدُهم مَوتى، فيُناديهم"، أي: يُنادي على المسلِمين بالحُصونِ: "ألَا أبشِروا؛ فقد هلَك عَدوُّكم، فيَخرُجُ النَّاسُ، ويُخَلُّون سَبيلَ مَواشيهم، فما يَكونُ لهم رَعْيٌ إلَّا لُحومُهم، فتَشْكَرُ عليها كأحسَنِ ما شَكِرَتْ مِن نَباتٍ أصابَتْه قطُّ". وفي روايةٍ: "فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: فوَالَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه"، أي: والَّذي حَياةُ وأمرُ محمَّدٍ بيدِه، "إنَّ دَوابَّ الأرضِ"، وهي ما يَدِبُّ على الأرضِ مِن السِّباعِ والهَوامِّ والحشَراتِ، "لتَسمَنُ"، أي: تَزدادُ وتَصيرُ سَمينةً، "وتَشكَرُ شَكَرًا مِن لُحومِهم"، أي: تَمتلِئُ بُطونُهم شِبَعًا مِن الأكلِ مِن لحمِهم.
وفي الحديثِ: بيانُ دَلائلِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم.
وفيه: بَيانُ شدَّةِ فِتنةِ يأجوجَ ومأجوجَ، وكَثرةِ عَددِهم.