مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه617
مسند احمد
حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق، حدثني محمد بن عمرو بن عطاء، أن عطاء بن يسار حدثه، أن أبا سعيد الخدري حدثه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما يصيب المؤمن من وصب، ولا نصب، ولا سقم، ولا حزن، ولا أذى، حتى الهم يهمه، إلا الله يكفر عنه من سيئاته " (1)
الإصابةُ بالمكروهِ ونُزولُ البلاءِ أمرٌ لا مَفَرَّ منه؛ فهي طَبيعةٌ في الحياةِ وسُنَّةٌ ربَّانيَّةٌ اقتضَتْها حِكمتُه سُبحانه، ومِن رَحمتِه عزَّ وجَلَّ أنْ أخبَرَ عِبادَه بذلكَ في كتابِه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]؛ مِن أجلِ تَوطينِ نُفوسِهم على المصائبِ قبْلَ حُلولِها، فتَخِفُّ وتَسهُلُ عليهم إذا وقعَتْ.
وفي هذا الحديثِ تَسليةٌ لِلمُؤمنِ فيما يُصيبُه مِن مَصائِبِ الدُّنيا، أيًّا كان نَوعُ هذه المَصائِبِ وحَجمُها؛ كَبيرةً أو صَغيرةً، جَليلةً أو حَقيرةً، تكونُ تَكفيرًا لِذُنوبِه، فلو أصابَه «وَصَبٌ» وهو وَجعٌ مُلازِمٌ ومُستمِرٌ لصاحبِهِ، وهو ما يُعرَفُ في عَصرِنا بالمرضِ المزمِنِ، أو «نَصَبٌ»، وهو ما يَشعُرُ به مِن تَعبٍ في أعمالِ الخيرِ وطَلبِ الحلالِ، ويَشمَلُ أيضًا كلَّ وجَعٍ وفُتورٍ يُصِيبُ البدَنَ، أو «سَقَمٌ»، ويَشمَلُ كلَّ مَرضٍ حتَّى لو كان خفيفًا، أو «حَزَنٌ» أي: على فَقْدِه لشيْءٍ أو لِمَا أصابَه مِن الابتلاءِ، «حتَّى الهمِّ يُهَمُّهُ» بضَمِّ الياءِ وفتْحِ الهاءِ، وضُبِطَ «يُهِمُّه» بضمِّ الياءِ وكسرِ الهاءِ، والهمُّ هو الكَرْبُ والغَمُّ بسَببِ مَكروهٍ وقَعَ بهِ، ويَنشَأُ الهمُّ عن الفكرِ فيما يُتوقَّعُ حُصولُه ممَّا يُتأذَّى به، والغمُّ كَربٌ يَحدُثُ للقلبِ بسَببِ ما حَصَل، وقيل: الهمُّ والغمُّ واحدٌ، والمقصودُ مِن ذِكرِ الهمِّ الَّذي يُهِمُّه التَّسويةُ بيْن الحزنِ الشَّديدِ الَّذي يكونُ عن فقْدِ مَحبوبٍ، والهمِّ الَّذي يُقلِقُ الإنسانَ ويَشتغِلُ به فِكرُه مِن شَيءٍ يَخافُه أو يَكرَهُه.
فما أصابَه مِن شَيءٍ مِن ذلك كلِّه، إلَّا كانتْ تلكَ الأوجاعُ سَببًا في غُفرانِ بعضِ ذُنوبِه -وهي الصَّغائرُ- ومَحْوِها إذا صبَرَ واحتسَبَ في ذلكَ الأجرَ عندَ ربِّه، وهذا مِن تَطْهيرِ اللهِ تَعالى للمؤمنِ بما يَبْتليهِ بهِ مِن أُمورِ الدُّنيا حتَّى يُنقِّيهِ من ذُنوبِه، فيَلْقى اللهَ خاليًا مِنها، فيُنعِم عليه مِن فَضلهِ، فيكونُ أمرُ المؤمِنِ كلُّه خيرًا؛ إنْ أصابَتْه سرَّاءُ شَكَرَ، وإنْ أصابَتْه ضرَّاءُ صبَرَ، فكانَ خيرًا له.