مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه624
مسند احمد
حدثنا يحيى بن أبي بكير، حدثني مندل بن علي، حدثني الأعمش، عن سعد الطائي، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يدخل الجنة صاحب خمس: مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم، ولا كاهن، ولا منان " (1)
رَغَّبَ الشَّرعُ المطهَّرُ في الأُمورِ الطَّيِّبةِ التي تُقرِّبُ مِنَ اللهِ، ومِنَ الجَنَّةِ، كما حَذَّرَ مِنَ الأُمورِ السَّيِّئةِ، التي تُبعِدُ عنِ اللهِ وعنِ الجَنَّةِ، وتُقرِّبُ مِنَ النَّارِ.
وفي هذا الحَديثِ يَقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "لا يَدخُلُ الجَنَّةَ صاحِبُ خَمسٍ" خَمسِ خِصالٍ، كُلِّهِنَّ أو إحداهُنَّ "مُدمِنُ خَمرٍ" وهو الذي يُداوِمُ عليها ولا يَمتَنِعُ عن شُربِها ولا يَتوبُ عنها "ولا مُؤمِنٌ بسِحرٍ" وهو مَنِ اعتَقَدَ وصَدَّقَ الساحِرَ في قَلبِه لِحَقيقةِ الأشياءِ، أو صَدَّقَه في عِلْمِه الغَيبَ معَ اللهِ سُبحانَه وتَعالى، "ولا قاطِعُ رَحِمٍ" هو قَطعُ صِلةِ الرَّحمِ وأسبابِها، والرَّحِمُ الأقارِبُ، ذُكورًا وإناثًا، وقَطعُهم يَكونُ بهَجرِهم وعَدَمِ زيارَتِهم أو صِلَتِهم بالصَّدَقاتِ، إنْ كانوا فُقَراءَ، أو عَدَمِ مُوادَّتِهم إنْ كانوا أغنياءَ "ولا كاهِنٌ" وهو الذي يَدَّعي عِلْمَ الغَيبِ، ويُخبِرُ النَّاسَ بزَعمِه عنِ الكائِناتِ الغَيبيَّةِ والأشياءِ المُستَقبليَّةِ، وهو شامِلٌ لِكُلِّ مَن يَدَّعي ذلك مِن مُنجِّمٍ وضَرَّابٍ بالحَصا، ونحوِهما، "ولا مَنَّانٌ" وهو الذي يَمُنُّ على النَّاسِ في عَطائِه؛ بذِكرِه لهم، وإظهارِه في النَّاسِ. والمُرادُ بعَدَمِ دُخولِ هؤلاءِ الجَنَّةَ نَفيُ الدُّخولِ مُطلقًا لِمَنِ استَحلَّ تلك المَعاصيَ مع عِلْمِه بتَحريمِها؛ لِأنَّه يَكفُرُ بذلك، وأمَّا مَن لم يَستَحلُّوها وماتوا على الإيمانِ وإنْ كانوا عُصاةً؛ فالمُرادُ أنَّهم لا يَدخُلونَ الجَنَّةَ دُخولًا أوَّليًّا، وهم في مَشِيئةِ اللهِ؛ إنْ شاءَ عَفا عنهم، وإنْ شاءَ عَذَّبَهم؛ لِقولِه تَعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48].
وفي الحَديثِ: التَّحذيرُ والتَّرهيبُ مِن عاقِبةِ المَنِّ بالعَطايا، وقَطعِ الأرحامِ، وشُربِ الخَمرِ، والسِّحرِ والكَهانةِ، أو تَصديقِهما.