مسند أبي سعيد الخدري رضي الله عنه680
مسند احمد
حدثنا محبوب بن الحسن، عن خالد، عن عكرمة، أن ابن عباس قال له ولابنه علي: انطلقا إلى أبي سعيد الخدري فاسمعا من حديثه قال: فانطلقنا فإذا هو في حائط له، فلما رآنا أخذ رداءه فجاءنا (1) فقعد، فأنشأ يحدثنا، حتى أتى على ذكر بناء المسجد، قال: كنا نحمل لبنة لبنة وعمار بن ياسر يحمل لبنتين لبنتين، (2) قال: فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل ينفض التراب عنه، ويقول: " يا عمار ألا تحمل لبنة كما يحمل أصحابك؟ "، قال: إني أريد الأجر من الله، قال: فجعل ينفض التراب عنه، ويقول: " ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار " قال: فجعل عمار يقول أعوذ بالرحمن من الفتن (3)
المالُ مِنَ الفِتَنِ الَّتي ابتلَى اللهُ به عِبادَه، والتَّقلُّلُ منه عِصمةٌ مِن فِتْنتِه، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقدِّمُ النَّموذجَ المِثاليَّ والقُدوةَ الحَسنةَ، فقد كانت سَعادتُه ومسرَّتُه عظيمتينِ حينما كان يَبذُلُ كلَّ ما عندَه مِن مالٍ؛ لِيُربِّيَ المسلمينَ بقولِه وعمَلِه على خُلقِ حبِّ العطاءِ، كما في هذا الحديثِ؛ حيث يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنه: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم الْتفَتَ إلى أُحدٍ" وهو جبلٌ على مشارفِ المدينةِ، "فقال: والَّذي نفْسُ محمَّدٍ بيَدِه"، وهذا قسَمٌ باللهِ الذي يَملِكُ قبْضَ النُّفوسِ، ومنها نفْسُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكثيرًا ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُقسِمُ به، "ما يَسُرُّني"، أي: لا يُعجِبُني ولا يُحبَّبُ إليَّ، "أنَّ أُحُدًا يُحَوَّلُ"، أي: يَنقلِبُ بحِجارتِه وما فيه، "لآلِ محمَّدٍ ذهبًا أُنفِقُه في سبيلِ اللهِ"، يعني: لا أُحِبُّ أنْ يكونَ لي مِثلُ جَبلِ أُحدٍ ذهبًا ويظَلَّ عندي منه دِينارٌ باقٍ إلَّا أنفَقْتُه في سبيلِ اللهِ، "أموتُ يومَ أموتُ أدَعُ منه دِينارينِ، إلَّا دِينارينِ أُعِدُّهما لدَينٍ إنْ كان"، يعني: دِينارًا يدَّخِرُه ويَجعَلُه لِسَدادِ دَينٍ عليه، "فمات، وما ترَكَ دِينارًا ولا دِرهمًا"، بلْ أنفَقَ كلَّ ما أفاء اللهُ عليه في سبيلِ اللهِ وعلى فُقراءِ المسلمينَ، "ولا عبْدًا ولا وَليدةً"، أي: لم يَترُكْ عبيدًا كان يَملِكُهم في حياتِه رِجالًا ولا نساءً؛ فكلُّ مَن مَلَكهم أعتَقَهم في حياتِه، "وترَكَ دِرْعَه مرهونةً عندَ يهوديٍّ على ثلاثينَ صاعًا مِن شَعيرٍ"، أي: مرهونةً نظيرَ قدْرٍ مِن الشَّعيرِ أخَذَه لإطعامِ أهْلِه، والصَّاعُ يزِنُ ما بيْن 2.04 و3.5 كيلو جرامًا بالموازينِ الحديثةِ.
وفي الحَديثِ: الحثُّ على إنفاقِ المالِ في سبيلِ اللهِ.
وفيه: بيانُ أهمِّيَّةِ قضاءِ الدَّينِ، وأنَّه يَنْبغي على المسلمِ إعدادُ المالِ الكافي لسَدادِه قبْلَ موتِه .