مسند أبي هريرة رضي الله عنه 100
مسند احمد
حدثنا عبد الرحمن، عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر يوما وليلة إلا مع ذي محرم من أهلها»
لا يَفعَلُ العَبدُ المُسلِمُ حَسَنةً أو مَعروفًا إلَّا جَزاهُ اللهُ به، ولو كان يَسيرًا؛ قال تَعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ} [الزلزلة: 7]؛ ولذلك أمَرَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَدَمِ احتِقارِ شَيءٍ مِنَ المَعروفِ، ولو كان صَغيرًا، فخاطَبَ النِّساءَ
في هذا الحَديثِ وأمَرَهُنَّ بألَّا يَحتَقِرْنَ أيَّ شَيءٍ تُهدِيه إحداهُنَّ لِجارَتِها، ولو كان فِرْسِنَ شاةٍ، وهو ما دُونَ الرُّسغِ مِن يَدِها، وقيلَ: هو عَظْمٌ قَليلُ اللَّحْمِ، والمَقصودُ: المُبالَغةُ في الحَثِّ على الإهداءِ، ولو كان شَيئًا قليلًا، وخَصَّ النِّساءَ بالخِطابِ؛ لِأنَّهُنَّ يَغلِبُ عليهِنَّ استِصغارُ الشَّيءِ اليَسيرِ، والتَّباهي بالكَثرةِ، وأشباهُ ذلك، وكَرَّرَ النِّداءَ عليهِنَّ؛ لِلتَّأكيدِ والإسماعِ وجَذْبِ انْتباهِهنَّ لِمَا يَقولُ.ثم قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ولا يَحِلُّ لِامرأةٍ تُؤمِنُ باللهِ ورَسولِه واليَومِ الآخِرِ" وهذا نَهيٌ وزَجرٌ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والمَعنى: يَحرُمُ على كُلِّ امرأةٍ مُسلِمةٍ "أنْ تُسافِرَ مَسيرةَ يَومٍ ولَيلةٍ، ليسَ معها ذو مَحْرَمٍ"، أيْ: إلَّا أنْ يَكونَ معها رَجُلٌ مِن مَحارِمِها؛ لِأنَّ مَن كانتْ تُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ لا تَأتي المَناهيَ، ولا تُخالِفُ الأوامِرَ، وكأنَّه تَلميحٌ بالعِقابِ مِنَ اللهِ لِمَن خالَفَتْ هذا الأمْرَ. ومَحْرَمُ المَرأةِ هو زَوجُها، أو مَن يَحرُمُ عليها بالتَّأبيدِ؛ بسَبَبِ قَرابةٍ، أو رَضاعٍ، أو صِهريَّةٍ؛ فلا يَدخُلُ في المَحرَمِ زَوجُ الأُختِ، وزَوجُ العَمَّةِ، وزَوجُ الخالةِ، وما أشبَهَ.وقد جاءتْ رِوايةٌ عِندَ أبي داودَ مِن حَديثِ أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه تَنهى عن سَفَرِ المَرأةِ لِمُدَّةِ ثَلاثةِ أيَّامٍ ولَياليها، إلَّا أنْ يَكونَ معها مَحرَمٌ؛ فقيلَ: إنَّ اختِلافَ المُدَّةِ هو لِاختِلافِ السَّائِلينَ، واختِلافِ مَواطِنِهم، وليس في النَّهيِ عنِ الثَّلاثةِ تَصريحٌ بإباحةِ اليَومِ واللَّيلةِ، وليس في هذا كُلِّه تَحديدٌ لِأقَلِّ ما يَقَعُ عليه اسْمُ السَّفَرِ، ولم يَرِدْ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَحديدُ أقَلِّ ما يُسَمَّى سَفَرًا؛ فالحاصِلُ أنَّ كُلَّ ما يُسَمَّى سَفَرًا تُنهَى عنه المَرأةُ بغَيرِ زَوجٍ أو مَحْرَمٍ، سَواءٌ كان ثَلاثةَ أيَّامٍ، أو يَومَيْنِ، أو يَومًا، أو بَرِيدًا، أو غَيرَ ذلك، والبَرِيدُ هو مَسيرةُ نِصفِ يَومٍ
وفي الحَديثِ: اهتِمامُ الإسلامِ بالمَرأةِ، وبرَفعِ قَدْرِها، والحِفاظِ عليها، فأمَرَ برِعايَتِها في كُلِّ الأحوالِ، في الحَضَرِ والسَّفَرِ