حديث سلمة بن الأكوع 19
مسند احمد
حدثنا حماد بن مسعدة، عن يزيد يعني ابن أبي عبيد، عن سلمة قال: كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأتي بجنازة فقال: «هل ترك من دين؟» ، قالوا: لا، قال: «هل ترك من شيء؟» ، قالوا: لا، قال: فصلى عليه، ثم أتي بأخرى فقال: «هل ترك من دين؟» ، قالوا: لا، قال: «هل ترك من شيء؟» ، قالوا: نعم، ثلاثة دنانير، قال: فقال: بأصابعه ثلاث كيات، قال: ثم أتي بالثالثة، فقال: «هل ترك من دين؟» ، قالوا: نعم، قال: «هل ترك من شيء؟» ، قالوا: لا، قال: «صلوا على صاحبكم» ، فقال رجل من الأنصار: علي دينه يا رسول الله، قال: فصلى عليه
حَرَصَ الإسلامُ على المُحافظةِ على حُقوقِ النَّاسِ، ومِن تِلك الحُقوقِ: الحُقوقُ الماليَّةُ، فأمَرَ بقَضاءِ الدَّيْنِ وعَدَمِ المُماطَلةِ فيه
وفي هذا الحَديثِ بَيانٌ لِمَا كانَ يَفعَلُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع الميِّتِ الذي ماتَ وعليه دَيْنٌ؛ حيث يَروي سَلَمةُ بنُ الأكوَعِ رَضيَ اللهُ عنه: "كُنتُ جالِسًا مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأُتيَ بجَنازةٍ"، والجِنازةُ هي المَيِّتُ في نَعشِه وعلى خَشَبَتِه "فقال: هل تَرَكَ مِن دَيْنٍ؟" فسأل عن دَيْنِه أوَّلًا؛ لِعِظَمِ شأنِه، "قالوا: لا" ليس عليه دُيونٌ لِأحدٍ "قال: هل تَرَكَ مِن شَيءٍ؟" مِن مالٍ أو تَرِكةٍ؛ فتُقسَّمَ على وَرَثتِه، "قالوا: لا" لم يَترُكْ مالًا ولا تَرِكةً "قال: فصَلَّى عليه" صَلاةَ الجَنازةِ، وصَلاتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَحمةٌ لِلناسِ، "ثم أُتيَ بأُخرى" وكان هذا الرَّجُلُ فَقيرًا ويأكُلُ مِن أموالِ الفُقَراءِ، "فقال: هل تَرَكَ مِن دَيْنٍ؟ قالوا: لا. قال: هل تَرَكَ مِن شَيءٍ؟ قالوا: نَعَمْ، ثَلاثةَ دَنانيرَ" تَرَكَ مالًا قيمَتُه ثَلاثةُ دَنانيرَ "قال: فقال بأصابِعِه: ثَلاثَ كَيَّاتٍ" بمَعنى: أنَّ جَزاءَه على ذلك ثَلاثُ كَيَّاتٍ مِنَ النارِ عِندَ اللهِ؛ لِقَولِه تَعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 35]؛ وذلك لأنَّ انتِماءَه إلى الفُقَراءِ الذين زَهِدوا في الدُّنيا مع وُجودِ الدِّينارِ أوِ الدِّينارَيْنِ دَعوى كاذِبةٌ يَستَحقُّ بها العِقابَ، وإلَّا فقد كان كَثيرٌ مِنَ الصَّحابةِ يَقتَنونَ الأموالَ ويَتصَرَّفونَ فيها، وما عابَهم أحَدٌ؛ لِأنَّ الإعراضَ عنِ الدُّنيا واختيارَ الوَرَعِ والزُّهدِ هو الأفضَلُ، والاقتِناءُ مُباحٌ مُوسَّعٌ لا يُذَمُّ صاحِبُه؛ فكُلُّ مَن أظهَرَ نَفْسَه بصورةِ الفُقَراءِ مِن لُبسِ الخَلَقِ أو زِيِّ الشَّحاذينَ، وعِندَه شَيءٌ مِنَ النُّقودِ، أو ما يَقومُ مَقامَها، وأخَذَ مِمَّا في أيدي الناسِ وأكَلَ، فهو حَرامٌ عليه. "ثم أُتيَ بالثالثةِ، فقال: هل تَرَكَ مِن دَيْنٍ؟ قالوا: نَعَمْ" عليه دُيونٌ لِغَيرِه، ولم يَقضِها قَبلَ مَوتِه "قال: هل تَرَكَ مِن شَيءٍ؟" مِنَ المالِ؛ لِقَضاءِ دَينِه بَعدَ مَوتِه "قالوا: لا" لم يَترُكْ شَيئًا يَفي بقَضاءِ دُيونِه "قال: صَلُّوا على صاحِبِكم" فتَوَلَّوْا أنتُمُ الصَّلاةَ عليه دُوني؛ وذلك عِندَما لا يَكونُ هناك مَن يَقضي عنِ المَيِّتِ دُيونَه بمالٍ تَرَكَه، أو مَن يَقضي عنه "فقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنصارِ: علَيَّ دَينُه يا رَسولَ اللهِ"، أي: أُلزِمُ نَفْسي بقَضاءِ هذا الدَّيْنِ الذي هو على المَيِّتِ، "قال: فصَلَّى عليه". وقد جاءَ في مُسْلِمٍ مِن حَديثِ أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه: "فلَمَّا فَتَحَ اللهُ عليه الفُتوحَ، قال: أنا أوْلى بالمُؤمِنينَ مِن أنْفُسِهم، فمَن تُوفِّيَ وعليه دَيْنٌ فعلَيَّ قَضاؤُه، ومَن تَرَكَ مالًا فهو لِوَرثَتِه"
وفي الحَديثِ: بَيانُ شَفَقةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المُسلِمينَ
وفيه: التأكيدُ على قَضاءِ الدُّيونِ وعَدَمِ التأخُّرِ في أداءِ الحُقوقِ لِأهلِها، وكذلك التَّحذيرُ مِن عَدَمِ تَركِ وَفاءٍ لها بَعدَ المَوتِ