مسند أبي هريرة رضي الله عنه 184

مسند احمد

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 184

 حدثنا سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة: " أرسل على أيوب رجل من جراد من ذهب، فجعل يقبضها في ثوبه، فقيل: يا أيوب ألم يكفك ما أعطيناك؟ قال: أي رب، ومن يستغني عن فضلك "

أحَلَّ اللَّهُ سُبحانَه وتعالى لعِبادِه الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزقِ، وأمَرَهم بشُكرِ نِعمَتِه؛ فالعَبدُ إذا أدَّى حَقَّ المالِ، وشَكَرَ المُنعِمَ، فقد أدَّى ما عليه، والأنبياءُ هم أكمَلُ النَّاسِ وأكثَرُهم شُكرًا وأداءً لحَقِّ النِّعمةِ

 وهذا الحَديثُ له سَبَبٌ وقِصَّةٌ، وهو أنَّ نَبيَّ اللهِ أيُّوبَ عليه السَّلامُ كان يَغتَسِلُ، فأمطَرَ أو تَساقَطَ عليه فَراشٌ مِن ذَهَبٍ، أي: أنزَل اللهُ على أيُّوبَ مِنَ السَّماءِ جَماعةً مِنَ الفَراشِ مِنَ الذَّهَبِ، وفي رِوايةٍ: جَرادٌ، وجاءَ أنَّ سُقوطَ هذا الفَراشِ على أيُّوبَ عليه السَّلامُ كان بَعدَ ما عافاه اللهُ مِنَ المَرَضِ، فجَعَل يَلتَقِطُ، أي: أقبَل أيُّوبُ عليه السَّلامُ وجَعَل يَأخُذُ هذا الفَراشَ ويَضُمُّه إلى ثَوبِه، فأوحى اللهُ إليه. يُحتَمَلُ أن يَكونَ بواسِطةٍ أو بإلهامٍ، ويُحتَمَلُ أن يَكونَ بغَيرِ واسِطةٍ: يا أيُّوبُ، أفلم أوسِّعْ عليك؟ أي: قد أعطَيتُك يا أيُّوبُ مِنَ الخَيرِ الشَّيءَ الكَثيرَ، ووسَّعتُ عليك وأغنَيتُك ونَعَّمتُك، فلماذا تَزيدُ وتَأخُذُ هذا الفَراشَ وأنت في غِنًى عنه؟ وهذا ليسَ بعِتابٍ مِنه تعالى، بَل مِن قَبيلِ التَّلطُّفِ والامتِحانِ بأنَّه هَل يَشكُرُ على ما أنعَمَ عليه فيَزيدَ في الشُّكرِ. فقال أيُّوبُ: بَلى، أي: أغنَيتَني، ولكِن لا غِنى بي عن فَضلِك، أي: مَهما أعطَيتَني فإنِّي لا أستَغني عن فضلِك، فأنا أجمَعُه؛ لكَونِه مِن جُملةِ فَضلِك وخَيرِك، وفي رِوايةٍ: بَرَكَتِك، وإلَّا فإنَّه مُحالٌ أن يَكونَ أيُّوبُ عليه السَّلامُ أخَذَ هذا المالَ حُبًّا للدُّنيا، وإنَّما أخذَه كَما أخبَرَ هو عن نَفسِه؛ لأنَّه بَرَكةٌ مِن رَبِّه تعالى، ولأنَّه قَريبُ العَهدِ بتَكوينِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، أو أنَّه نِعمةٌ جَديدةٌ خارِقةٌ للعادةِ، فيَنبَغي تَلقِّيها بالقَبولِ، مَعَ إظهارِ أنَّه فقيرٌ إلى ما أنزَله اللهُ مِن خَيرٍ، وفي قَبولِ هذه المُعجِزةِ وتَعظيمِها شُكرٌ على النِّعمةِ، وتَعظيمٌ لشَأنِها، وفي الإعراضِ عنها كُفرٌ بها
وفي الحَديثِ مَشروعيَّةُ الحِرصِ على الاستِكثارِ مِنَ المالِ الحَلالِ
وفيه بَيانُ فَضلِ الغِنى لمَن شَكَر
وفيه بَيانُ مُعجِزةٍ لنَبيِّ اللهِ أيُّوبَ عليه السَّلامُ