مسند أبي هريرة رضي الله عنه 28
مسند احمد
حدثنا إسماعيل، حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي هريرة، قال: لما حضر رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها، فقد حرم»
أنْعَمَ اللهُ عزَّ وجلَّ على عِبادِهِ بمَواسِمَ مِن الخيراتِ، يَحصُلون فيها بسَببِ الأعمالِ الصَّالحةِ القَليلةِ على الثَّوابِ الكَثيرِ مِن عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ومِن نِعَمِه سُبحانَه أيضًا أنْ سَخَّرَ اللهُ لهم مِن الأسبابِ ما يُعينُهُم على أدائِها على الوجْهِ الأكْمَلِ لها، وشهْرُ رمضانَ من أعظم تِلكَ المواسِمِ الفاضِلَة
وفي هذا الحَديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أتاكُمْ شهْرُ رَمضانَ"، أي: جاءَتْكُم أيامُ شَهرِ رَمضانَ، "شَهْرٌ مُبارَكٌ" فيكْثُرُ الخيْرُ فيه، وهذا إخْبارٌ بكثْرَةِ خيْرِهِ الحِسيِّ والمَعْنويِّ، ويَحتمِلُ أنْ يكونَ دعاءً أي: جَعَلَهُ اللهُ مُباركًا
"فَرَضَ اللهُ عليكم صِيامَه"، فقدْ أوْجَبَه اللهُ بقولِه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183]، "تُفتَّحُ فيه أبوابُ الجنَّةِ، وتُغلَقُ فيه أبوابُ الجَحيمِ" والفَتحُ والغَلْقُ المَذْكورانِ هُما على الحَقيقةِ؛ إكْرامًا مِن اللهِ لعِبادِهِ في هذا الشَّهرِ، وقيل: إنَّ غَلْقَ أبوابِ النَّارِ مَعناهُ مَزيدٌ لِغَلْقِ كلِّ مَسلَكٍ مِن مَسالِكِ الشَّرِّ، وإنَّ فَتْحَ أبوابِ الجنَّةِ هو مَزيدٌ لفَتْحِ كلِّ مَسلَكٍ مِن مَسالِكِ الخيرِ، "وتُغلُّ فيه مَرَدَةُ الشياطينِ"، أي: تُشَدُّ الأغلالُ والسَّلاسِلُ على مَرَدَةِ الجِنِّ، وهم رُؤساءُ الشَّياطينِ المتجرِّدونَ للشَّرِّ، أو هُمُ العُتاةُ الشِّدادُ مِن الجِنِّ، والحِكمةُ من تَغْليلِهِم حتَّى لا يَعمَلوا بالوَساوِسِ للصَّائِمينَ ويُفسِدوا عليهم صَوْمَهُم، "وفيه ليْلَةٌ هي خيْرٌ مِن أَلْفِ شَهْرٍ" وهي ليْلَةُ القَدْرِ، والمَعنى أنَّ العَمَلَ فيها أفْضَلُ من العَمَلِ في أَلْفِ شَهْرٍ ليس فيها ليلَةُ القَدْرِ، "مَنْ حُرِمَ خَيْرَها"، أي: مَنْ مُنِعَ خَيْرَها بأنْ لم يُوَفَّقْ لإحْيائِها، والعِبادَةِ فيها، "فقدْ حُرِمَ"، أي مُنِعَ الخيْرَ كلَّه، والمُرادُ حِرمانُ الثوابِ الكامِلِ أو الغُفرانِ الشامِلِ الذي يَفوزُ به القائِمُ في إحياءِ ليْلِها، وهذا دَلالةٌ على فَخامَةِ الجَزاءِ، أي: فقدْ حُرِمَ خيرًا لا يُحَدُّ قدْرُهُ