مسند أبي هريرة رضي الله عنه 306
مسند احمد
حدثنا أبو معاوية، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما نفعني مال قط، ما نفعني مال أبي بكر» فبكى أبو بكر، وقال: هل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله؟
كان أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رَضِي اللهُ عنه مِن أكرَمِ النَّاسِ في الجاهليَّةِ والإسلامِ
وقد صاحَبَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وآمَن به منذُ بدايةِ الدَّعوةِ وأنفَق مالَه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وفي سبيلِ الدَّعوةِ في وقتِ الشِّدَّةِ في مكَّةَ وفي الهجرةِ، وفي المدينةِ، وكان مِعْطاءً باذِلًا في سَبيلِ اللهِ، وقد ذكَر النَّبيُّ الكريمُ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فضَّلَه، وذلك فيما رواه أبو هُريرةَ رضي اللهُ عنه, قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما نفَعَني مالٌ قطُّ ما نفَعَني مالُ أبي بَكرٍ رضي اللهُ عنه"، أي: لم يَنفَعْني مالُ أحَدٍ مِن الصَّحابةِ رَضِي اللهُ عنهم كما نفَعَني مالُ أبي بكرٍ رَضِي اللهُ عنه، فقد وجَده حينَ بَخِل النَّاسُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في مكَّةَ، وبعدَ موتِ خديجةَ رَضِي اللهُ عنها وفي رحلةِ الهجرةِ وفي المدينةِ بعدَ الهجرةِ، فلمَّا سَمِع أبو بكرٍ رَضِي اللهُ عنه ما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فبَكى أبو بَكْرٍ, ثمَّ قال: وهَل أنا ومالي إلَّا لك يا رسولَ اللهِ؟!"، وهذا مِن رقَّةِ قلبِ أبي بكرٍ وشدَّةِ إيمانِه، مع حُبِّه للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم
وفي روايةٍ أخرى في الصَّحيحَينِ قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنَّ أمَنَّ النَّاسِ علَيَّ في صُحْبَتِه ومَالِه أبُو بَكْرٍ"، وفي الصَّحيحِ عن أبي الدَّرداءِ رَضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّ اللهَ بعَثَني إليكم فقُلتُم: كذَبْتَ، وقال أبو بكرٍ: صدَقَ، وواسَاني بنَفسِه ومالِه، فهل أنتُم تارِكُو لي صاحِبي؟! مرَّتَين" وكان أبو بَكرٍ رضِيَ اللهُ عنه بانشراحِ صدرِه، ورُسوخِ عِلمِه يَعلَمُ أنَّ للهِ ولرسولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الفضْلَ والإحسانَ، والمنَّةَ والامتنانَ، لكنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بكَرَمِ خُلُقِه، وجميلِ مُعاشَرتِه اعتَرَف بالفضلِ لِمَن صدَر عنه، وشَكَر الصَّنيعةَ؛ لِيَسُنَّ ولِيُعَلِّمَ الأمَّةَ الاعتِرافَ بالفضلِ لأهلِ الفضلِ
وفي الحديثِ: بيانُ مَنقبَةٍ وفضلٍ لأبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِي اللهُ عنه
وفيه: ذِكرُ الفضلِ لأهلِه، وأنَّ ذلك لا يَنقُصُ مِن قِيمةِ المُتفضَّلِ عليه
وفيه: بيانُ أنَّ المؤمِنَ يَنسُبُ الفضلَ للهِ سبحانه في التَّوفيقِ والهدايةِ، ثمَّ لرسولِه في التَّلبيغِ والدَّعوةِ