مسند أبي هريرة رضي الله عنه 369
مسند احمد
حدثنا أبو عبيدة الحداد، كوفي ثقة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا أن أشق على أمتي، لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء - أو مع كل وضوء بسواك - ولأخرت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل»
الصَّلاةُ فيها وُقوفٌ بيْن يَدَيِ اللهِ سُبحانه وتَعالى، ويَنْبغي فيها: الطَّهارةُ، وحُسنُ الهَيئةِ، وتَنظيفُ الفَمِ والأسنانِ
وفي هذا الحديثِ يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لَوْلا أنْ أَشُقَّ على أُمَّتِي"، أي: لَوْلا أنْ تَقَعَ المَشَقَّةُ على النَّاسِ المُصلِّين مِن أُمَّتي، "لَأَمَرْتُهم بالسِّواكِ عندَ كلِّ صَلاةٍ"، أي: لَأمَرْتُهم وأوْجَبْتُ عليهم استِخدامَ السِّواكِ قبْلَ أنْ يُصلُّوا أيَّ صَلاةٍ، وهذا مِن الحثِّ على هذه المَكرُمَةِ، وهي تَطهيرُ الفَمِ وتَنظيفُ الأسنانِ عندَ لِقاءِ اللهِ في الصَّلاةِ، والسِّواكُ: هو عُودٌ يُقطَعُ مِن شَجرةِ الأَرَاكِ، ويُستَخدَمُ في تَنظيفِ الفَمِ والأسنانِ، ويُطيِّبُ الفَمَ، ويُزِيلُ الرَّوائِحَ الكريهةَ، "ولَأخَّرْتُ العِشاءَ"، أي: إقامتَها، "إلى ثُلثِ اللَّيلِ الأوَّلِ"، أي: إلى نِهايةِ ثُلثِ اللَّيلِ الأوَّلِ؛ لِمَا فيه مِن الفضْلِ، وقد جاء في فضْلِ تأْخيرِها ما رواهُ أبو داودَ، قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "أعْتِموا بهذه الصَّلاةِ؛ فإنَّكم قد فُضِّلْتُم بها على سائرِ الأُمَمِ، ولم تُصَلِّها أُمَّةٌ قبْلَكم"، قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فإذا مَضى ثُلثُ اللَّيلِ الأوَّلِ هبَطَ الرَّبُّ جَلَّ ثناؤهُ إلى سَماءِ الدُّنيا" هُبوطًا يَلِيقُ بجَلالِه؛ دونَ تكْييفٍ، أو تَشبيهٍ، أو تَعطيلٍ، فيَنزِلُ بمُقْتضى صِفاتِ الإكرامِ المُقتضيةِ للرَّأفةِ والرَّحمةِ، وقَبولِ المعذرةِ، والتَّلطُّفِ بالمُحتاجِ، واستعراضِ الحوائجِ، "فلم يَزَلْ هنالك حتَّى يَطلُعَ الفجْرُ"، وهذا تَحديدٌ لِنِهايةِ وقْتِ النُّزولِ بهذه الصِّفةِ، "يقولُ قائلٌ: ألَا سائلٌ يُعْطَى"، أي: يُعطى ما سأَلَ، "ألَا داعٍ يُستَجابُ له"، أي: يُجِيبُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ما دعا به ويُحقِّقُه له، "ألَا سقيمٌ يَسْتَشفي فيُشْفى"، أي: مريضٌ يَدْعو اللهَ ويَطلُبُ لنفْسِه الشِّفاءَ، فيَشْفيهِ اللهُ، "ألَا مُذنِبٌ يَستغفِرُ، فيُغْفَرَ له"، أي: يَدْعو اللهَ بأنْ يَمحُوَ عنه آثارَ ذُنوبِه وخطاياهُ، فيَستجيبُ اللهُ له ويَغفِرُ له، وإنَّما المعنى: أنَّ اللهَ يُجِيبُ مَن يَدْعوه، كقولِه تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186]
وفي الحديثِ: حثُّ المُصلِّين على استخدامِ السِّواكِ ما أمكَنَهم ذلك
وفيه: بَيانُ حِرصِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على التَّيسيرِ على النَّاسِ
وفيه: مَشروعيَّةُ تأْخيرِ صَلاةِ العِشاءِ عن أوَّلِ وقْتِها
وفيه: الحثُّ على اغتنامِ أوقاتِ الإجابةِ للدُّعاءِ