مسند أبي هريرة رضي الله عنه 377
مسند احمد
حدثنا عبد الواحد الحداد، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قال الله عز وجل: ومن أظلم ممن يخلق كخلقي فليخلقوا بعوضة، أو ليخلقوا ذرة "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُخوِّفُ النَّاسَ ممَّا يُغضِبُ اللهَ عزَّ وجلَّ حتَّى يَجتنِبُوه، وبيَّن أنَّ اللهَ سُبْحانهُ وتعالَى تَوعَّدَ المُصوِّرينَ بأنَّهم أشدُّ النَّاسِ عذابًا يومَ القيامةِ
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ التَّابعيُّ أبو زُرعةَ بنُ عَمرِو بنِ جريرٍ، أَنَّه دَخَل مع أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه دَارًا بالمَدِينةِ، وفي روايةٍ عند مسلمٍ: أنَّها دارٌ لِمروان بنِ الحَكَمِ والي المدينةِ مِن قِبَلِ الخليفةِ مُعاويةَ بنِ أبي سُفيانَ رَضِيَ اللهُ عنه، «فرَأَى أَعْلاهَا مُصَوِّرًا» لم يذكُرِ اسمَه، وكان هذا الشَّخصُ «يُصَوِّرُ»، أي: يرسُمُ أو يصنعُ صُوَرًا على الحيطانِ أو غيرِها من أشكالِ التصويرِ، فقال أبو هُرَيْرةَ رَضيَ اللهُ عنه: سَمِعْتُ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَكَر عنِ اللهِ تعالَى أنَّه قال: «ومَن أَظْلَمُ»، أي: ليس أحدٌ أظلمَ، أو أشدَّ ظُلمًا، «مِمَّن ذَهَب»، أي: قَصَد حالَ كونِه «يَخلُقُ» بأنْ يُصَوِّرَ «كخَلْقِي»، أي: كخَلْقِ اللهِ عزَّ وجلَّ وتَصويرِه في فِعلِ الصُّورةِ وحْدَها لا مِن كلِّ الوُجوهِ، فعمَّ بالذَّمِّ والتهديدِ والتقبيحِ كُلَّ من تعاطى تصويرَ شَيءٍ ممَّا خلقه اللهُ تعالى مما فيه روحٌ، ثُمَّ تَحدَّاهم اللهُ عزَّ وجلَّ لبَيانِ عَجْزِهم عن أنْ يَخلُقوا كخلْقِ اللهِ، سواءٌ كان ذلك مِن الجَماداتِ بأنْ يَخلُقوا حَبَّةً مِمَّا يُطْعَمُ، كالذُّرَةِ والقَمْحِ ونحْوِهما، أو مِن الحيواناتِ بأنْ يَخلُقوا ذَرَّةً، والذَّرةُ واحدةُ الذَّرِّ، وهو صِغَارُ النَّمْلِ، وإنما عُلِّق الذَّمُّ والوعيدُ بالمصوِّرين من حيثُ إنَّهم تشبَّهوا باللهِ تعالى في خَلْقِه، وتعاطَوا مشاركةَ فيما انفرد اللهُ تعالى به من الخَلْقِ والاختراعِ
ثُمَّ طَلَب أبو هُرَيْرةَ رَضِيَ الله عنه «تَوْرًا»، وهو إناءٌ يُشرَبُ منه، فغَسَل يَدَيْه وذِراعَيه للوُضوء حتَّى بَلَغَ إِبْطَه، وهذا مِن اجتِهادِه رَضِيَ الله عنه، فلمَّا سُئِل عن فِعلِه ذلك قال: «مُنْتَهَى الحِلْيَةِ»، ومُرادُه ما رواه مسلمٌ من حديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «تَبلُغ الحِليةُ مِن المؤمنِ حَيْثُ يَبلُغُ الوُضوءُ»؛ فلذلك كان يَتوضَّأُ إلى الإِبْطَيْنِ، وقد عَدَّ العُلَماءُ هذا اجتهادًا من أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه في فَهْمِه لنصِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وإلَّا فالثَّابتُ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ الغُسلَ في الوضوءِ يكونُ إلى المِرفَقَينِ
وليس بيْن ما دَلَّ عليه الخبرُ مِن الزَّجْرِ عن التَّصويرِ وبيْن ما ذُكِر مِن وُضوءِ أبي هُرَيْرةَ مُناسَبةٌ، وإنَّما أخبَر أبو زُرْعَةَ بما شاهَدَ وسَمِع مِن ذلك
وفي الحَديثِ: التحذيرُ من التشَبُّهِ بالله سُبحانَه في الخَلْقِ والتصويرِ