مسند أبي هريرة رضي الله عنه 434
مسند احمد
حدثنا أبو كامل، حدثنا إبراهيم، حدثنا ابن شهاب، ويعقوب، حدثنا أبي، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، أن أبا هريرة، أخبره، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل من هذه الشجرة، فلا يؤذينا بها في مسجدنا هذا» قال يعقوب: «يعني الثوم»
يُبيِّنُ هذا الحديثُ أنَّ الإنسانَ مأمورٌ بتطييبِ رِيحِه واجتنابِ الرِّيحِ الخَبيثَةِ، ولا سيَّما تَطهيرُ فمِه، إذا أراد أن يُناجِيَ مَن له قَدْرٌ من الخَلْقِ؛ فكيف بمَنْ يُناجي بالتِّلاوَةِ للقرآنِ الحقَّ عزَّ وجلَّ؟
وفي هذا الحديثِ يقولُ أبو هريرةَ رضِي اللهُ عنه نَهَى رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم "عن أَكْلِ البَصلِ، أي: النِّيِء، والكُرَّاثِ فغلبتْنا الحاجَةُ فأكلنا منها"، والحاجَةُ تشمَلُ الجوعَ وغيرَه، مِثلَ الأكلِ بالتَّشهِّي والتأدُّمِ بالخُبزِ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "مَن أَكَلَ من هذه الشَّجرةِ المُنْتِنَةِ" البَّصَلِ والفُجْلِ، وما له رائحةٌ كريهةٌ كالكُرَّاثِ، "فلا يَقْرَبَنَّ مَسجِدَنا"، أي: مَسجِدَ المسلمين، وهذا النَّهيُ إنَّما هو عن حُضورِ المسجِدِ لا عن أَكْلِ الثُّومِ والبَّصلِ ونحوهما، فهذه البُقولُ حَلالٌ، وسببُ النَّهيِ عنِ الدُّنوِّ منَ المسجِدِ
هو تأذِّي الآدميِّين وتأذِّي الملائكةِ بسَببِ رائحتِها، وعلى هذا فيَشمَلُ النَّهيُ دُخولَ المسجِدِ إنْ كانَ خَالِيًا من الإنسِ؛ لأنَّه محلُّ الملائكةِ ولعُمومِ الأحاديثِ
ولَمَّا اختُصَّ النَّهيُ بدُخولِ المساجِدِ دلَّ على عدَمِ النَّهي عن دُخولِ الأسواقِ وغيرِها لِمَن أكَل هذه الأشياءَ؛ لأنَّه ليس فيها حُرمةُ المساجد، وليستْ مَحلَّ حضور الملائكةِ، ولأنَّه إنْ تأذَّى به أحدٌ في السُّوق فيَسهُلُ عليه الابتعادُ عنه بخِلاف المساجِدِ
وفي هذا الحديثِ: زَجرٌ عن أذَى النَّاسِ بكُلِّ حالٍ، وأمرٌ بتَحسينِ الأدَبِ في حُضورِ مَواطنِ الصَّلاةِ من تَعاهُدِ الإنسانِ نفْسَه بتَرْكِ ما يُؤذِي ريحَهُ