مسند أبي هريرة رضي الله عنه 546

مسند احمد

مسند أبي هريرة رضي الله عنه 546

 حدثنا عبد الرزاق، عن أبي عروة معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، قبل منه»

حَثَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الإسراعِ والمُبادَرَةِ بالتَّوبةِ النَّصوحِ قَبْلَ أن يَأتيَ وَقْتٌ لا تُقْبَلُ فيه التَّوبةُ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أن مَن تاب في حَياتِه، فأقلَعَ عن المعاصي وعن الذُّنوبِ ولوْ كان مُشرِكًا، فأسْلَمَ ورجَعَ إلى طَريقِ اللهِ، وذلك قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها؛ لأنَّه إذا حَدَثَ ذلك تأكد قُرْبِ قِيامِ السَّاعةِ، وحِينئذٍ لم تَنْفَعِ التَّوبَةُ ولم يَنْفَعِ الإيمانُ! وهذا حَدٌّ لقَبولِ التَّوبَةِ؛ فلا تَزالُ التَّوبةُ مَقبولَةً، حتَّى إذا طَلُعتِ الشَّمسُ مِن مَغرِبِها امتَنَعتِ التَّوبةُ على مَن لم يَكُنْ تاب قَبْلَ ذلك، وهو معنى قولِه تَعالَى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]، وللتَّوبةِ حَدٌّ آخَرُ؛ وهو أنْ يَتوبَ الإنسانُ قبْلَ غَرْغرةِ الموتِ، وهي وُصولُ الرُّوحِ إلى الحُلقومِ، كما قال تَعالَى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} [النساء: 18]
ولعلَّ الحكمةَ مِن مَنعِ التَّوبةِ عندَ طُلوعِ الشَّمسِ مِن مَغربِها أو عندَ الموتِ: أنَّ النَّاسَ في هذا التَّوقيتِ تَنكشِفُ لهم الحقائقُ، ويُشاهِدون مِن الأهوالِ ما يَلْوي أعناقَهُم إلى الإقرارِ والتَّصديقِ باللهِ وآياتِه، وحُكمُهم في ذلك حُكمُ مَن عايَنَ بأْسَ اللهِ، كما قال تَعالَى: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} [غافر: 84، 85]
وللتَّوبةِ شُروطٌ؛

 الأوَّلُ: الإقلاعُ عن المعصيةِ

 والثَّاني: النَّدمُ على فِعلِها

 والثَّالثُ: العزمُ على ألَّا يَعودَ إليها أبدًا، هذا إنْ كانت في حُقوقِ اللهِ تَعالَى، وإنْ كانت مُتعلِّقةً بحقٍّ مِن حُقوقِ العبادِ، فيُشترَطُ لصِحَّةِ التَّوبةِ أنْ يُؤدِّيَ ذلك الحقَّ إلى صاحبِه، أو يَعفُوَ عنه صاحبُ الحقِّ
وفي الحديثِ: تَطييبٌ لنُفوسِ العبادِ، وتَنشيطٌ للتَّوبةِ والحثِّ عليها قبْلَ فَواتِ الأوانِ
وفيه: رَدعٌ عن اليأسِ والقُنوطِ، وأنَّ الذُّنوبَ وإنْ جَلَّت فإنَّ عَفْوَ اللهِ سُبحانه أجَلُّ، وكَرمُه أعظَمُ
وفيه: بَيانُ أنَّ طُلوعَ الشَّمسِ مِن مَغربِها إحدى عَلاماتِ السَّاعةِ الكُبرى