مسند أبي هريرة رضي الله عنه 562
مسند احمد
حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا داود بن قيس، عن أبي سعيد، مولى عبد الله بن عامر، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع أحدكم على بيع أخيه، وكونوا عباد الله إخوانا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره، التقوى هاهنا - وأشار بيده إلى صدره ثلاث مرات -، حسب امرئ مسلم من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام: دمه، وماله، وعرضه "
نَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في هذا الحَديثِ عن بَعضِ الصِّفاتِ الذَّميمةِ، والمُعامَلاتِ الَّتي يَترتَّبُ عليها ضَرَرٌ للنَّاسِ، ورُبَّما تُشعِلُ المُشاحَناتِ بيْنَهم كما يُبيِّنُ هذا الحديثُ؛
حيث يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا تَباغَضوا"، وهذا نَهيٌ عن فِعلِ ما يُسبِّبُ العَداوةَ بيْنَ النَّاسِ؛ لِمَا في تَباغُضِهم من التَّفرُّقِ، "ولا تَحاسَدوا"، وهذا نَهيٌ عن تَمنِّي زَوالِ النِّعَمِ عنِ الآخَرينَ، "ولا تَناجَشوا"، وهذا نَهيٌ عن أنْ يَزيدَ المرءُ في ثَمَنِ السِّلْعةِ، وهو لا يَرغَبُ في شِرائِها، وإنَّما لِيَخدَعَ غَيرَهُ ويَغُرَّهُ، "ولا تَدابَروا"، وهذا نَهيٌ عن أنْ يُوَلِّيَ المُسلِمُ أخاهُ المُسلِمَ ظَهْرَهُ ودُبُرَهُ؛ إمَّا حِسِّيًّا، فلا يُجالِسُهُ، ولا يَنظُرُ إليه، وإمَّا مَعْنوِيًّا، فلا يُظهِرُ الاهتِمامَ به، والمَقْصودُ: نَهيُهُم عن التَّقاطُعِ والتَّهاجُرِ، ثُمَّ بيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لهم المَنزِلةَ الَّتِي يَنبَغي أنْ يكونوا عليها، فقال: "وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا"، وهي الأُخُوَّةُ، كَأُخُوَّةِ النَّسَبِ في الشَّفَقةِ والرَّحْمةِ والمحبَّةِ والمُواساةِ والمُعاوَنةِ والنَّصيحةِ، "لا يَبيعَنَّ حاضِرٌ لِبادٍ"، فهو أنْ يَأتِيَ أحدُ أهْلِ البادِيةِ ليَبِيعَ سِلْعتَهُ في إحْدَى القُرَى أو المُدُنِ، فيقولَ له أحَدُ سُكَّانِ هذه القَرْيةِ أو المدينةِ -مثلًا-: اتْرُكْها لي، وأنا أَبِيعُها لك بثَمَنٍ أعْلى، فيكونُ له سِمْسَارًا، فهو سَبَبٌ من أسْبابِ الغَلاءِ الَّذي يَنزِلُ بالسِّلْعةِ، "ولا تَلَقَّوُا الرُّكْبانَ ببَيعٍ"، وهذا نَهيٌ عن أنْ يُقابِلَ المرءُ التُّجَّارَ الَّذين يَأتُون بتِجارَتِهم لِبَيعِها في الأسْواقِ، فيَشترِيَ منهم بِضاعتَهُم، ثُمَّ يَبِيعَها هو في أسْواقِ بَلَدِهِ، وهذا فيه ضَرَرٌ على البائِعِ؛ لأنَّه قد يَبِيعُها بأقلَّ مِن ثَمَنِها الحقيقيِّ في أسْواقِ هذا البَلَدِ، كما أنَّ ذلِكَ قد يَضُرُّ بأهْلِ البَلَدِ؛ لأنَّ هذا المشترِيَ قد يَتحقَّقُ له احتِكارُ السِّلْعةِ، فيَتحكَّمُ في سِعْرِها ويَزِيدُهُ كما يَشاءُ في الأسْواقِ، فهو بنَفسِ مَعْنى (لا يَبيعَنَّ حاضِرٌ لِبادٍ). "وأيُّما امرِئٍ ابْتاعَ شاةَ فوَجَدَها مُصرَّاةً" وصَرُّ البَهيمةِ يكونُ برَبطِ الضَّرعِ؛ لِيُحبَسَ لَبَنُها، ويُجمَعَ ما في ضَرْعِها عِندَ إرادةِ البَيعِ، فتَبْدو كأنَّها كَثيرةُ اللَّبنِ، فنَهى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ذلِكَ؛ لِمَا فيه من الغِشِّ والخِداعِ والضَّرَرِ؛ "فلْيَرُدَّها، ولْيَرُدَّ معها صاعَا من تَمْرٍ" يَعنِي أنَّ مَن اشتَراها وحَلَبَها ثُمَّ اكتَشَفَ أنَّ البائِعَ خَدَعَهُ، فهو مُخَيَّرٌ بيْنَ شَيئَينِ؛ أنْ يَقبَلَ بها ويُمضِيَ البَيعَ، أو يَرُدَّها على البائِعِ الَّذي خَدَعَهُ ومعها صاعٌ من تَمْرٍ بَدَلًا منَ اللَّبَنِ الَّذي حَلَبَهُ منها، "ولا يَسُمْ أحَدُكم على سَومِ أخيهِ"؛ السَّوْم عَلَى سَوْم أَخِيهِ، هُوَ أَنْ يَكُون قَدْ اِتَّفَقَ مَالِك السِّلْعَة وَالرَّاغِب فِيهَا عَلَى الْبَيْع وَلَمْ يَعْقِدَاهُ، فَيَقُول الْآخَر لِلْبَائِعِ :أَنَا أَشْتَرِيه وَهَذَا حَرَام بَعْد اِسْتِقْرَار الثَّمَن، ولا يَخطُبُ على خِطْبَتِهِ"، وصُورتُهُ: أنْ يَخطُبَ رَجُلٌ امرأةً وتُظهِرَ الرِّضا، ويتَّفِقَا على مَهْرٍ، ولم يَبْقَ إلَّا العَقدُ، فَيأتي آخَرُ يَخطُبُها فهذا مَنْهيٌّ عنه، وقد أوضَحَتْ رِوايةُ البُخاريِّ في صَحيحِه: أنَّه لا يَحِلُّ ذلِكَ حَتى يَترُكَ أو يَنكِحَ الخاطِبُ الأوَّلُ، "ولا تَسأَلُ المرأةُ طَلاقَ أُختِها لِتَكتَفِئَ ما في إنائِها"، يَعْني: لا تَطلُبُ المرأةُ مِن زَوجِها أنْ يُطلِّقَ ضَرَّتَها؛ لِتَقلِبَ ما في إناءِ أُختِها في إنائِها، والمَعْنى: لِتستأثِرَ بِخَيرِ زَوجِها وَحْدَها وتَحرِمَ غَيرَها نَصيبَها منه "فإنَّ رِزقَها على اللهِ عزَّ وجلَّ" وهو ما قدَّرَهُ اللهُ لها من الرِّزقِ، ولن يَأخُذَهُ غَيرُها