مسند أبي هريرة رضي الله عنه 720
مسند احمد
حدثنا يزيد، أخبرنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " خرج رجل يزور أخا له في الله عز وجل، في قرية أخرى، فأرصد الله عز وجل بمدرجته ملكا، فلما مر به قال: أين تريد؟ قال: أريد فلانا. قال: لقرابة؟ قال: لا. قال: فلنعمة له عندك تربها؟ قال: لا. قال: فلم تأتيه؟ قال: إني أحبه في الله. قال: فإني رسول الله إليك. أنه يحبك بحبك إياه فيه "
الحُبُّ في اللهِ مِن أوثَقِ عُرى الإسلامِ، وهو مِن أبرَزِ سِماتِ المؤمِنينَ فيما بيْنَهم، وقدْ وَعَدَ اللهُ تَعالى على هذا الخُلُقِ النَّبيلِ بواسِعِ الأجْرِ والعَطاءِ
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ رجُلًا أرادَ زِيارةَ أخيهِ في اللهِ في قَريةٍ أُخرى، غيرِ مَكانِ إقامةِ الزَّائرِ؛ فهو بَعيدٌ عنه، والظَّاهرُ أنَّ المرادَ بالأُخوَّةِ هنا أُخوَّةُ الإيمانِ، لا أُخوَّةُ النَّسبِ، فأعدَّ اللهُ سُبحانه وهيَّأَ وأَقعَدَ في طَريقِ ذلك الرَّجلِ الزَّائرِ ملِكًا مِن عندِ اللهِ عزَّ وجلَّ، يَنتظِرُه ويَرتقِبُه لِيُبشِّرَه، فلمَّا جاء الرَّجلُ ووَصَل إلى المكانِ الَّذي فيه الملَكُ، سَألَه الملَكُ عن مَكانِ ذَهابِه، فأجابه أنَّه يُريدُ زِيارةَ أخٍ لي في هذه القَرْيةِ -ولعلَّ القريةَ كانت قَريبةً منه، ولذلك أشارَ عليها-، فَسألَهُ الملَكُ: هلْ لكَ على الشَّخصِ الَّتي تُريدُ زِيارتَه مِن «نِعمةٍ تَربُّها»؟ والمعنى: هلْ لهذا الرَّجلِ المزُورِ مِن نِعمٍ دُنيويَّةٍ تُريدُ أنْ تَستوفِيَها له بزِيارتِكَ تلك، فأخْبَرَه الرَّجلُ أنَّه لا يَزُورُه لغَرضٍ مِن أغراضِ الدُّنيا، وليْس لي داعيةٌ إلى زيارتِه إلَّا مَحبَّتِي إيَّاه في طَلَبِ مَرضاةِ اللهِ، فأخْبَرَه الملَكُ أنَّه رسولٌ مِن اللهِ أُرسِلَ إليه؛ ليُبشِّرَه بأنَّ اللهَ سُبحانه قدْ أحبَّهَ لِمحبَّتِهَ صاحبَهُ في اللهِ، ومِن أثرِها إكرامُ اللهِ سُبحانه، وإحسانُه إلى عَبدِه، ورَحمتُه له، ورِضاهُ عنه
وفي الحديثِ: إثباتُ صفةِ الحبِّ والمحبَّةِ للهِ عزَّ وجلَّ، على ما يَليقُ به سُبحانه
وفيه: فضْلُ المحبَّةِ في اللهِ عزَّ وجلَّ
وفيه: ما يدُلُّ على أنَّ الحبَّ في اللهِ والتَّزاوُرَ فيه مِن أفضَلِ الأعمالِ وأعظَمِ القُرَبِ إذا تَجرَّدَ ذلكَ عن أغراضِ الدُّنيا وأهواءِ النُّفوسِ
وفيه: فَضيلةُ زيارةِ الصَّالحينَ
وفيه: أنَّ الزِّيارةَ المُنضبِطةَ بضَوابطِ الشَّرعِ للأُخوَّةِ في اللهِ مِن جَواهرِ عِبادةِ اللهِ تعالَى