مسند أبي هريرة رضي الله عنه 9
مسند احمد
حدثنا هشيم، أخبرنا العوام بن حوشب، عن عبد الله بن السائب، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التي بعدها، كفارة لما بينهما» ، قال: «والجمعة إلى الجمعة، والشهر إلى الشهر - يعني رمضان إلى رمضان - كفارة لما بينهما» ، قال: ثم قال بعد ذلك: " إلا من ثلاث - قال: فعرفت أن ذلك لأمر حدث -: إلا من الإشراك بالله، ونكث الصفقة، وترك السنة " قال: " أما نكث الصفقة: أن تبايع رجلا ثم تخالف إليه تقاتله بسيفك، وأما ترك السنة، قال: قلت: يا رسول الله، أما الإشراك بالله فقد عرفناه، فما نكث الصفقة؟ قال: «فأن تبايع رجلا ثم تخالف إليه تقاتله بسيفك، وأما ترك السنة فالخروج من الجماعة»
لمَّا كان الإنسانُ مُعَرَّضًا دائِمًا للذُّنوبِ والخَطايا جَعَل اللهُ له أعمالًا تَكونُ كَفَّاراتٍ لهذه الذُّنوبِ، لا سيَّما إذا كانت هذه الذُّنوبُ ليست منَ الذُّنوبِ الكَبيرةِ وإنَّما منَ الصَّغائِرِ، وهذا من فَضلِ اللهِ وإحسانِه إلى خَلقِه، ومن ذلك ما جاءَ مُبَيَّنًا
في هذا الحَديثِ: أنَّ الصَّلاةَ إلى الصَّلاةِ التي قَبْلَها كَفَّارةٌ، والمَقصودُ به الصَّلاةُ المَكتوبةُ، وهذا تَكفيرٌ يَوميٌّ للذُّنوبِ، والجُمعةُ إلى الجُمعةِ التي قَبْلَها كَفَّارةٌ، وهذا تَكفيرٌ أُسبوعيٌّ، والشَّهرُ إلى الشَّهرِ الذي قَبْلَه كَفَّارةٌ، والمُرادُ به شَهرُ رَمَضانَ، كما جاءَ مُبَيَّنًا في الرِّواياتِ الأخرى: ورَمَضانُ إلى رَمَضانَ، وهذا تَكفيرٌ سَنَويٌّ، وهذا التَّكفيرُ كُلُّه فيما يَتَعَلَّقُ بصَغائِرِ الذُّنوبِ؛ ولذا جاءَ في الرِّوايةِ الأخرى أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: مُكَفِّراتٌ لِما بَينَهنَّ ما اجتُنِبَتِ الكَبائِرُ، وقال هنا: إلَّا مِن ثَلاثٍ، فعَرَف الصَّحابةُ أنَّ أمرًا قد حَدَثَ، ثمَّ بَيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ما الثَّلاثُ التي لا تُكَفَّرُ، فقال: إلَّا منَ الشِّركِ باللهِ، ونَكْثِ الصَّفقةِ، وتَرْكِ السُّنَّةِ. فسَأل الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم عن مَعنى ذلك، فقالوا: يا رَسولَ اللهِ، هذا الشِّركُ باللهِ قد عَرَفْناه، أي: قد عَرَفوا مَعناه، وأنَّه صَرفُ العِبادةِ لغَيرِ اللهِ، وقد كانوا مُشرِكينَ ثمَّ أسلموا، فمَعناه واضِحٌ لدَيهم، فسَألوا عن مَعنى نَكْثِ الصَّفقةِ -والنَّكثُ: هو نَقضُ العَهدِ- وتَركِ السُّنَّةِ؟ فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أمَّا نَكثُ الصَّفقةِ فهي أن تُعطيَ رَجُلًا بَيعَتَك، أي: أن تُبايِعَ شَخصًا على السَّمعِ والطَّاعةِ، ثمَّ تَنقُضَ هذا العَهدَ الذي بَينَك وبَينَه فتُقاتِلَه بسَيفِك، وأمَّا تَركُ السُّنَّةِ فهو الخُروجُ منَ الجَماعةِ. أي: الابتِداعُ في الدِّينِ ومُخالَفةُ ما أجمَعَ عليه المُسلمونَ، والانفِرادُ عنهم في الدِّينِ
وفي الحَديثِ فَضلُ اللهِ وإحسانُه على عِبادِه؛ حَيثُ جَعَل لهم أعمالًا تُكَفَّرُ بها ذُنوبُهم
وفيه أهَمِّيَّةُ المُحافظةِ على الفرائِضِ منَ الصَّلاةِ والصِّيامِ
وفيه خُطورةُ الشِّركِ
وفيه خُطورةُ نَقضِ العَهدِ
وفيه خُطورةُ تَركِ الجَماعةِ