حدثنا عبد الصمد، حدثنا عبد الله يعني ابن أبي بكر (2) المزني، حدثنا عطاء بن أبي ميمونة، قال: ولا أعلمه إلا عن أنس قال: " ما رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فيه القصاص، إلا أمر فيه بالعفو "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم، بالمُؤمنِينَ رَؤوفًا رَحيمًا، يأمُرُ بالعفْوِ والرَّحمَةِ بين المسلِمين فيما أَجازَ الشَّرعُ العفْوَ فيهِ؛ ومن ذلك القِصاصُ.
وفي هذا الحَديثِ يقولُ أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه: "ما رأيتُ" القائلُ هو أنَسٌ رضِيَ اللهُ عنه، "النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم رُفِعَ إليهِ"، أي: في القَضايا المرفوعَةِ إليهِ، "شيءٌ فيهِ قِصاصٌ"؛ من قتْلٍ وجرْحٍ، ونحوِهما "إلَّا أمَرَ فيهِ بالعفْوِ"، أي: أمَرَ، وحَثَّ صاحِبَ المظلَمَةِ على العفْوِ عن أخيهِ، وهذا ليس تَضيِيعًا لحَقِّ المظْلومِ؛ لكنَّه من بابِ إغلَاقِ بابِ الشَّرِّ وإعادَةِ اللُّحْمَةِ والوِئامِ الَّتي انفكَّتْ في لَحظةٍ من اللَّحظاتِ، ثمَّ إنْ أصَرَّ المَظلومُ أو ولِيُّه على القِصاصِ فإنَّه يُنَفَّذُ ولا يُمنَعُ.
وقد وقَعَ الخِلافُ فيما هو الأَولى للمَظْلومِ؛ هل العفْوُ عن ظالِمِه أو التَّركُ؟ فمَن رجَّحَ العفْوَ قال: إنَّ للعافي من الأجْرِ بعفْوِه فوقَ ما يستحِقُّه من العِوَضِ عن تلك المظلَمَةِ؛ مِن أخْذِ أجْرٍ أو وضْعِ وزْرٍ لو لم يعْفُ عن ظالِمِه، ومَن رجَّحَ الثَّاني قال: إنَّا لا نَعلمُ هل عِوَضُ المظلَمَةِ أنفَعُ للمَظلومِ أم أجْرُ العفْوُ، ولكنَّ الشَّارِعَ نَصَّ على أنَّ العفْوَ مِن موجِباتِ رَفْعِ الدَّرَجاتِ وحَطِّ الخَطيئاتِ.