حدثنا عبد الصمد، وحسن، قالا: حدثنا حماد، عن ثابت، عن أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " رأيت كأني الليلة في دار رافع بن عقبة - قال حسن: في دار عقبة بن رافع - فأوتينا بتمر من تمر ابن طاب، فأولت أن لنا الرفعة في الدنيا والعاقبة في الآخرة، وأن ديننا قد طاب " (1)
رُؤيا الأنبياءِ حقٌّ، والرُّؤيا الصَّالحةُ هي مِن المُبشِّراتِ الَّتي يُبشِّرُ اللهُ بها عِبادَه المؤمنينَ بما يُثبِّتُهم على الدِّينِ وعلى الحقِّ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه رَأى ذاتَ ليلةٍ في نَومِه في جُملةِ ما يَراه النَّائمُ كأنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابَه، في دارِ عُقبةَ بنِ رافعٍ رَضيَ اللهُ عنه، وهو صَحابيٌّ أنصاريٌّ، فَجاؤُوا برُطَبٍ مِن رُطَبِ «ابنِ طابٍ»، وهوَ نَوعٌ منَ الرُّطبِ الَّذي بالمدينةِ، ويُطلَقُ الرُّطَبُ على البَلحِ إذا نَضِجَ وصار غَضًّا حُلْوًا قبْلَ أنْ يَجِفَّ ويَصيرَ تمْرًا، وهو مُضافٌ إلى ابنِ طابٍ رَجلٍ منَ المدينةِ، وأنواعُ تَمرِ المدينةِ مئةٌ وعِشرون نوعًا تَقريبًا. فأَوَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هذه الرُّؤيا بالرِّفعةِ والشَّرفِ لِلمسلِمين في الدُّنيا؛ بالنَّصرِ على الأعداءِ، وعُلوِّ الكلمةِ، وانتشارِ دِينِ الإسلامِ، وبالعاقبَةِ والخاتمةِ الحسنَةِ للمسلِمين في الآخِرةِ؛ بالفوزِ بجنَّاتِ النَّعيمِ، وأنَّ الدِّينَ قدْ كَمَلَ واستَقرَّت أَحكامُه وتَمَهَّدت قَواعدُه، فأخَذَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَفسيرَ الرُّؤيا مِن اشتقاقِ كَلماتِها؛ فأخَذَ مِن لَفظِ (عُقْبةَ) العاقبةَ، ومِن (رافعٍ) الرِّفعةَ، ومِن (رُطَبِ ابنِ طابٍ) لَذاذةَ الدِّينِ وكَمالَه، وتَأوَّلَ الرُّطَبَ بالدِّينِ؛ لأنَّه حُلوٌ في القلوبِ سَهلٌ؛ لأنَّ الشَّريعةَ سَمْحةٌ كَمَلَت بعْدَ تَدريجٍ، كما أنَّ الرُّطَبَ حُلوٌ سَهلٌ، واكتَمَلَ بعْدَ تَدريجٍ مِن الطَّلعِ إلى أنْ صار رُطَبًا.
وفي الحديثِ: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُحِبُّ الفَألَ الحسَنَ، ويَكرَهُ التَّطيُّرَ حتَّى في تَعبيرِ الرُّؤى.
وفيه: أنَّ مَسلكَ الرُّؤيا دَقيقٌ يَحتاجُ إلى نوعِ تَوفيقٍ؛ فَلا يَعبُرْها مَن لا يَعرِفُه.