مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1244
مسند احمد
حدثنا هاشم، حدثنا سليمان، قال: حدثنا (2) ثابت، قال أنس: " ما شممت شيئا عنبرا قط، ولا مسكا قط، ولا شيئا قط أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسست شيئا قط، ديباجا، ولا حريرا، ألين مسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال ثابت: فقلت: يا أبا حمزة: ألست كأنك تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأنك تسمع إلى نغمته؟ فقال: بلى، والله إني لأرجو أن ألقاه يوم القيامة، فأقول: يا رسول الله، خويدمك قال: " خدمته عشر سنين بالمدينة وأنا غلام ليس كل أمري كما يشتهي صاحبي أن يكون ما قال لي فيها: أف، وما قال لي: لم فعلت هذا، أو ألا فعلت هذا " (1)
كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُعلِّمًا رَحيمًا، ومُؤدِّبًا رَفيقًا، ومُربِّيًا حَليمًا، وقد ضرب لنا بحُسْنِ خُلُقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أروعَ الأمثلةِ في حُسنِ مُعاملةِ المَوالي والخدَمِ.
وفي هذا الحَديثِ يحكي أنسُ بنُ مالكٍ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه خدَم النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عَشْرَ سِنينَ، وفي روايةٍ أُخرى في الصَّحيحَين: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لَمَّا قَدِمَ المدينةَ لم يكُنْ عندَه خادمٌ يَخدُمُه، فأخَذَ أبو طَلْحَةَ الأنصاريُّ رَضيَ اللهُ عنه رَبيبَه أنسَ بنَ مالكٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقال له: إنَّ أَنَسًا غُلامٌ كَيِّسٌ -أي: عاقِلٌ ذَكيٌّ- فاجْعَلْه خادِمًا لك، فقَبِلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَسًا خادمًا له.
ويُخبر أنسٌ رضِيَ اللهُ عنه أنَّه طوالَ المدَّةِ التي خدم فيها النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ما قال له صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «أُفٍّ»، وهو صَوتٌ يدُلُّ على التَّضجُّرِ، وما قال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لشَيءٍ صَنَعه: لِمَ صَنَعْتَ هذا هكذا؟ ولا لشَيءٍ لم يَصنَعْه: لِمَ لَمْ تصنَعْه هكذا؟ فما وبَّخَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على شَيءٍ لم يَفعَلْه ولم يَنتقِصْ مِن قَدْرِه؛ وذلك لِحُسنِ خُلُقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورَأْفتِه وصَبْرِهِ، وحُسْنِ عِشْرَتِهِ.
وفي الحَديثِ: خُلُقٌ عظيمٌ مِن جَميلِ أخلاقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وهو رَأْفَتُه ورَحمتُه بخادِمِه، وقد علَّم الدُّنيا الرَّحمةَ والشَّفَقَةَ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وفيه: تَنزيهُ اللِّسانِ عن الزَّجرِ.
وفيه: استئلافُ خاطرِ الخادمِ بتَرْكِ مُعاتَبتِه، وهذا في الأمورِ المُتعلِّقةِ بحَظِّ الإنسانِ، أمَّا الأمورُ الشَّرعيَّةُ فلا يُتسامَحُ فيها.
وفيه: حُسنُ الخُلقِ في التَّعامُلِ مع الخَدَمِ ومَن في حُكْمِهم.