‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1309

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1309

حدثنا يونس، وحسن بن موسى، قالا: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس، أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: عن قيام الساعة،، وأقيمت الصلاة، فلما قضى صلاته قال: " أين السائل عن الساعة؟ " فقال الرجل: ها أنا ذا يا رسول الله، قال: " وما أعددت لها؟ فإنها قائمة " قال: ما أعددت لها من كبير عمل، غير أني أحب الله ورسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنت مع من أحببت "، قال: " فما فرح المسلمون بشيء بعد الإسلام أشد مما فرحوا به "

هذا الحديثُ مِن جَوامعِ كَلِمِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وفيه يُرشِدُنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى التَّحَلِّي بالآدابِ والأخْلاقِ الإسلاميَّةِ، الَّتي تَزيدُ الأُلفةَ والموَدَّةَ بيْن المُسلِمينَ.

ومعْناه: أنَّ المسلِمَ الكامِلَ الجامعَ لخِصالِ الإسلامِ: هو مَن لم يُؤْذِ مُسلِمًا بقَولٍ ولا فِعلٍ، وخصَّ اللِّسانَ واليدَ؛ لكَثرةِ أخطائِهما وأضرارِهما؛ فإنَّ مُعظَمَ الشُّرورِ تَصدُرُ عنهما؛ فاللِّسانُ يَكذِبُ، ويَغتابُ، ويسُبُّ، ويَشهَدُ بالزُّورِ، واليدُ تَضرِبُ، وتَقتُلُ، وتَسرِقُ، إلى غيرِ ذلك، وقدَّم اللِّسانَ؛ لأنَّ الإيذاءَ به أكثرُ وأسهلُ، وأشدُّ نِكايةً، ويعُمُّ الأحياءَ والأمواتَ جميعًا.

وبيَّن أنَّ المُهاجرَ الكاملَ هو مَن هجَرَ ما نهى اللهُ عنه؛ فالمُهاجرُ الممدوحُ هو الَّذي جمَعَ إلى هِجرانِ وَطَنِه وعَشيرتِه هِجرانَ ما حرَّم اللهُ تعالَى عليه؛ فمُجرَّدُ هِجرةِ بلَدِ الشِّركِ مع الإصرارِ على المعاصي ليست بهِجرةٍ تامَّةٍ كاملةٍ؛ فالمُهاجرُ بحقٍّ هو الَّذي لم يَقِفْ عند الهجرةِ الظَّاهرةِ، مِن تَرْكِ دارِ الحربِ إلى دار الأمنِ، بل هُو مَن هجَرَ كلَّ ما نَهَى اللهُ عنه. 

وفي الحديثِ: الحثُّ على تَركِ أذَى المسلِمين بكلِّ ما يُؤذِي.

 وفيه: أنَّ الظَّواهرَ لا يَعبَأُ اللهُ تعالَى بها إذا لم تُؤيِّدْها الأعمالُ الدَّالَّةُ على صِدقِها.