مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1340
مسند احمد
حدثنا عبد الوهاب بن عطاء أبو نصر العجلي الخفاف، قال: أخبرنا سعيد، عن قتادة، عن أنس بن مالك أنه أنبأهم، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بينما أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف " قال: فقلت: " يا جبريل ما هذا؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاك ربك "، قال: " فضربت بيدي فيه، فإذا طينه المسك الأذفر، وإذا رضراضه اللؤلؤ " (1) ، وقال عبد الوهاب من كتابه قرأت: " قال الملك الذي معي: أتدري ما هذا؟ هذا الكوثر الذي أعطاك ربك، فضرب بيده إلى أرضه فأخرج من طينه المسك "
الكَوثرُ مِنْ أنهارِ الجنَّةِ، وقد أخبَرَ به المولى تبارَكَ وتعالى نَبِيَّهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقال له في مُحكَمِ التَّنزيلِ: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ} [الكوثر: 1]، وفي هذا الحديثِ يَصِفُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نهْرَ الكوثرِ- كما رآهُ في رِحلةِ المِعراجِ- قال: "بيْنا أنا أَسِيرُ في الجنَّةِ، إذ عرَضَ لي نَهرٌ، حافَتاهُ قِبابُ اللُّؤلؤِ المُجوَّفِ"، أي: على حافَتَيهِ قِبابٌ مِن جَوهرِ اللُّؤلُؤِ المُجوَّفِ، والقِبابُ جمعُ قُبَّةٍ، وهو بِناءٌ سقْفُهُ مُستديرٌ، "قلْتُ: يا جِبريلُ، ما هذا؟ قال: هذا الكوثرُ الَّذي أعطاكَهُ اللهُ، ثمَّ ضرَبَ بيَدِه إلى طِينِه، فاستخرَجَ مِسْكًا"، أي: إنَّ طِينَتَه طَيِّبةُ الرَّائحةِ.
وقيل: إنَّ الكوثَرَ معناهُ: الخيرُ الكثيرُ الَّذي جمَعَهُ اللهُ تعالى لنَبيِّه في الآخرةِ.
وقيل: الكوثَرُ حوضٌ أُعْطِيَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الجنَّةِ، وليس نَهرًا، ولكنَّ هذا الحديثَ يَدلُّ على أنَّ الكوثرَ نَهرٌ، ويُمكِنُ الجمْعُ بيْن هذه الأقوالِ والرِّواياتِ المُختلفةِ: بأنَّه نَهرٌ له حوضٌ، ويَجتمِعُ النَّاجون الفائزونَ على حَوضِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فيَشْرَبون منه خارِجَ الجنَّةِ، والنَّهرُ يَجْري في الجنَّةِ، ويَشرَبُ منه مَن دخَلَها بفضْلِ اللهِ ورَحمَتِه.
قولُه: "ثمَّ رُفِعَتْ لي سِدرةُ المُنْتهى، فرأَيْتُ عندَها نُورًا عظيمًا،" وهي أعْلى مَنزلةٍ يَنْتهى إليها عِلْمُ الخلائقِ، وهذا القولُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يُوضِّحْ ما المقصودُ بالنُّورِ: هل هو نُورُ اللهِ؟ أمْ أنَّه رأَى نُورًا لم يُمكِّنْه مِن رُؤيةِ اللهِ سُبحانه وتَعالى، كما وُضِّحَ ذلك في الرِّوايةِ الأُخرى عن أبي ذَرٍّ أيضًا: "نُورٌ أنَّى أراهُ؟"، أي: رأيْتُ حِجابًا مِن نُورٍ، فكيف أَرى اللهَ مع وُجودِ حِجابِ النُّورِ؟ وقد جاء في القُرآنِ قولُه تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ} [النور: 35]، ومعناهُ: صاحِبُ نُورِهما، وربُّ النُّورِ وخالِقُه.
وقيل: نُورُ السَّمواتِ والأرضِ بالهدايةِ. وقيل: مُنَوِّرُ قُلوبِ عِبادِه المُؤمِنين.
وفي الحديثِ: إثباتُ وُجودِ نَهرِ الكَوثرِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الآخرةِ.
وفيه: بَيانُ مَنزلةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وقدْرِه عندَ ربِّه وتَشريفِه لَه.