‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1339

مسند احمد

‌‌مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1339

حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا عمارة، عن ثابت، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل أم سليم تنظر إلى جارية فقال: " شمي عوارضها، وانظري إلى عرقوبيها " 

حَرَص الإسْلامُ على دَوامِ الوُدِّ والمَحبَّةِ بيْنَ الزَّوجَينِ، وشرَع لذلك أسْبابًا حتَّى يَكونَ أحْرى لدَوامِ العِشْرةِ بيْنَهما.
وفي هذا الحَديثِ يَرْوي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أرادَ أنْ يَتزوَّجَ امْرأةً، فبعَث امْرأةً لتَنظُرَ إليها، فقال: «شُمِّي عَوارِضَها»، والعَوارِضُ: الأسْنانُ الَّتي في عُرضِ الفَمِ، وهي ما بيْن الثَّنايا والأضْراسِ، واحِدُها عارِضٌ، والمُرادُ اخْتبارُ رائحةِ نَكْهَتِها، «وانْظُري إلى عُرْقوبَيْها»، والعُرقوبُ: هو الوَتَرُ الَّذي خَلْفَ الكَعبَينِ بينَ مَفصِلِ القَدَمِ والسَّاقِ، وأمَرَها بالنَّظرِ إلى العُرقوبِ؛ لأنَّه إذا كان بارِزًا ظاهِرًا دلَّ على نَحافةِ الجِسمِ، وإنْ كان غيرَ ظاهِرٍ دلَّ على امْتِلاءِ الجِسمِ وسِمَنِه، فيَختارُ كلَّ ما يُحِبُّه في المَرأةِ.
فلمَّا جاءتِ المَرأةُ إلى أهلِ المَخْطوبةِ، قالوا: «ألَا نُغَدِّيكِ يا أمَّ فُلانٍ؟» وهذا من أدَبِ الضِّيافةِ، فقالت الخاطِبةُ بشَيءٍ منَ الكِياسةِ والحَصافةِ: «لا آكُلُ إلَّا مِن طَعامٍ جاءتْ به فُلانةُ»، وهي الفَتاةُ الَّتي تُريدُ خِطبَتَها؛ وذلك لتَصنَعَ سَببًا لمَجيءِ الفَتاةِ والقُربِ منها، فلمَّا أرادَتِ الفَتاةُ أنْ تَصنَعَ الطَّعامَ صَعِدَت إلى رَفٍّ لهم ممَّا يُخزَّنُ عليه أغْراضُ البَيتِ، فنظَرَتِ الخاطبةُ إلى عُرْقوبَيْها وهي صاعِدةٌ إلى الرَّفِّ، ثمَّ قالتِ الخاطِبةُ للمَخْطوبةِ: «قَبِّليني يا بُنيَّةُ»، فجعَلَتِ الفَتاةُ المَخْطوبةُ تُقبِّلُها، وهنا كانتِ الخاطِبةُ تَشُمُّ رائحةَ عَوارِضِها وأسْنانِها وفَمِها عن قُربٍ، ثمَّ بعْدَ انْتِهاءِ هذه الزِّيارةِ رجَعَتِ الخاطِبةُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأخبَرَتْه بما رَأتْه، وما عرَفَتْه.
وفي الحَديثِ: أنَّ العِفَّةَ المَطلوبةَ مِن النِّكاحِ لا تَحصُلُ إلَّا بالرَّغبةِ في المَرأةِ، وأنَّ مِن دَواعي النِّكاحِ الجَمالَ وحُسنَ الهَيْئةِ.
وفيه: أنَّ تلك الطَّريقةَ في خِطْبةِ المَرأةِإنْ لم تُعْجِبْه سكَتَ، ولا يَقولُ: لا أُريدُها؛ لأنَّه إيذاءٌ.