مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1539
مسند احمد
حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، قال: أخبرني ثابت، عن أنس، قال: " مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الصبيان، فسلم علينا، ثم دعاني فبعثني إلى حاجة له فجئت، وقد أبطأت عن أمي، فقالت: ما حبسك أين كنت؟ فقلت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاجة، فقالت: أي بني وما هي؟ فقلت: إنها (1) سر، قالت: لا تحدث بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا "، ثم قال: " والله، يا ثابت لو كنت حدثت به أحدا لحدثتك "
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَسَنَ الخُلُقِ مُتواضِعًا، يَعطِفُ على الصِّغارِ ويُحسِنُ إليهم ويُقرِّبُهم منه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه -وكان قدْ خَدَم النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عشْرَ سِنينَ- أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جاءهُ وهو يَلعَبُ مع «الغِلمانِ»، وَهُمُ الصِّبيانُ الصِّغارُ، فأَلْقَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عليهم السَّلامُ، وهذا مِن تَلطُّفِه ومَحبَّتِه للصِّغارِ، ثمَّ طلَبَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن أنسٍ أنْ يذهَبَ لِيَقضيَ له حاجةً، وفي رِوايةٍ أُخرى في الصَّحيحينِ: «أسَرَّ إلَيَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِرًّا»، فذهَبَ أنسٌ كما أمَرَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فتَأخَّرَ على أُمِّه، ثمَّ رَجَع إليها بعْدَما قَضى لِلنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حاجتَه، فسَألتْه أُمُّه أُمُّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها: «ما حَبَسَكَ؟»، أي: ما مَنَعَكَ وسَببُ تَأخُّرِك؟ فأخبَرَها أنَّه كان يَقْضى حاجةً لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فسَألتْه أُمُّه عن تلك الحاجةِ الَّتي أرسَلَه فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال لها أنسٌ رضيَ اللهُ عنه: «إنَّها سِرٌّ» لا يَنْبغي لي أنْ أُعلِنَها، فأيَّدَتْه أُمُّه في ذلك وحذَّرَتْه مِن إفشائهِا؛ للتَّأكيدِ عليه، وأمَرَتْه ألَّا يُخبِرَ أحدًا بشَيءٍ اسْتأمَنَه عليه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
ثمَّ قال أَنَسٌ لِثابِتٍ البُنانيِّ تَلميذِهِ وأقسَمَ له أنَّه لوْ كان أخبَرَ أحدًا بهذا لَأخبَرَ ثابِتًا بذلك، وهذا يدُلُّ على محبَّةِ أَنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه لِثابِتٍ، والمعنى: أنَّه حافَظَ على السِّرِّ حتَّى بعْدَ مَوتِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: بيانُ أمانةِ أَنَسٍ رَضيَ اللهُ عنه وحُسْنِ خُلُقِه.
وفيه: بَيانُ فضْلِ الصَّحابيِّ الجليلِ أنسِ بنِ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه؛ حيثُ كان مُحافِظًا لسِرِّ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفيه: بَيانُ فَضلِ أُمِّ سُليمٍ رَضيَ اللهُ عنهما ورَجاحةِ عَقلِها، وحَصافةِ رَأيِها؛ حيثُ حثَّتِ ابنَها على مُحافَظةِ سِرِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأكَّدَت عليه.
وفيه: الحثُّ على المحافَظةِ على السِّرِّ.
وفيه: السَّلامُ على النَّاسِ كلِّهم، حتَّى الصِّبيانِ المميِّزينَ.