مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه1552
مسند احمد
حدثنا إبراهيم بن خالد، قال: أخبرني أمية بن شبل، عن عثمان بن يزدويه، (1) قال: خرجت إلى المدينة مع عمر بن يزيد، (2) وعمر بن عبد العزيز عامل عليها قبل أن يستخلف، قال: فسمعت أنس بن مالك وكان به وضح شديد، قال: وكان عمر يصلي بنا، فقال أنس: " ما رأيت أحدا أشبه صلاة بصلاة رسول الله (3) صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، كان يخفف (4) في تمام "
كان الصَّحابةُ رَضِيَ اللهُ عنهم يَحرِصونَ أن يُصَلُّوا كما صَلَّى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد قال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: صَلُّوا كما رَأيتُموني أُصَلِّي، وكانوا رَضِيَ اللهُ عنهم يُعجِبُهم أن يُصَلُّوا خَلفَ مَن يُصَلِّي مِثلَ صَلاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ التَّابِعينَ، وفي هذا الحَديثِ ما صَلَّيتُ وراءَ أحَدٍ أشبَهَ، أي: أقرَبَ، صَلاةً برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن فُلانٍ، أي: لرَجُلٍ سَمَّاه أبو هرَيرةَ باسمِه، وجاءَ في رِوايةٍ أنَّه كان إمامًا يُصَلِّي بهم في المَدينةِ. ثُمَّ بَيَّنَ الرَّاوي عن أبي هرَيرةَ، وهو سُلَيمانُ بنُ يَسارٍ أحَدُ التَّابِعينَ، كيفيَّةَ صَلاةِ هذا الإمامِ؛ فقد جاءَ في رِوايةٍ أنَّ سُلَيمانَ قال: فصَلَّيتُ خَلفَه، أي: خَلفَ هذا الإمامِ حَتَّى يَعرِفَ كيفيَّةَ صَلاتِه، فقال: كان يُطيلُ الرَّكعَتَينِ الأُوليَينِ مِن صَلاةِ الظُّهرِ، أي: أنَّه يُطيلُ القِراءةَ في الرَّكعةِ الأولى والثَّانيةِ، ويُخَفِّفُ الأُخرَيَينِ، أي: في الرَّكعةِ الثَّالثةِ والرَّابعةِ يُخَفِّفُهما، ويُخَفِّفُ العَصرَ، أي: يُخَفِّفُ القِراءةَ في صَلاةِ العَصرِ، ويَقرَأُ في المَغرِب بقِصارِ المُفَصَّلِ، أي: يَقرَأُ في صَلاةِ المَغرِبِ بالسُّورِ القَصيرةِ مِنَ المُفَصَّلِ، والمُفَصَّلُ يَبدَأُ مِن سورةِ ق إلى سورةِ النَّاسِ، وسُمِّيَ مُفصَّلًا لكَثرةِ الفصلِ بَينَ سورِه بالبَسمَلةِ، ولأنَّ سورَه قِصار كُلّ سورةٍ كَفصلٍ مِنَ الكَلامِ، وقِصار المَفصِل تَبدَأُ مِن سورةِ الضُّحى إلى سورةِ النَّاسِ.
ويَقرَأُ في العِشاءِ بوسَطِ المُفَصَّلِ، أي: في صَلاةِ العِشاءِ يَقرَأُ بالسُّورِ المُتَوسِّطةِ مِنَ المُفَصَّلِ، وهيَ تَبدَأُ مِن سورةِ عَمَّ إلى سورةِ الضُّحى، ويَقرَأُ في الصُّبحِ بطُوالِ المُفصَّلِ، أي: بالسُّورِ الطَّويلةِ مِنَ المُفَصَّلِ، وهيَ تَبدَأُ مِن سورةِ ق إلى عَمَّ. وقيلَ: الحِكمةُ في تَطويلِ الصُّبحِ والظُّهرِ أنَّهما وقتا غَفلةٍ بالنَّومِ في آخِرِ اللَّيلِ والقائِلةِ، فطَوَّلَهما ليُدرِكَهما المُتَأخِّرونَ لغَفلةٍ أو نَومٍ ونَحوِهما، وفي العَصرِ لَيسَت كذلك، بَل هيَ في وقتِ الأعمالِ فخُفِّفَت لذلك، وفي المَغرِبِ لضيقِ الوقتِ؛ فاحتيجَ إلى زيادةِ تَخفيفِها، ولحاجةِ النَّاسِ إلى عَشاءِ صائِمِهم وضَيفِهم، وفي العِشاءِ لغَلَبةِ النَّومِ، ولَكِنَّ وقتَها واسِعٌ، فأشبَهَتِ العَصرَ.
وفي الحَديثِ بَيانُ كيف كانت قِراءةُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصَّلَواتِ.
وفيه مَشروعيَّةُ القِراءةِ مِنَ المُفَصَّلِ في الصَّلاةِ.
وفيه حِرصُ التَّابعينَ على مُوافَقةِ صَلاتِهم لصَلاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم .