مسند أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه160
مسند احمد
حدثنا أبو أسامة، عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس قال: جاء أبو طلحة يوم حنين يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أم سليم قال: يا رسول الله، ألم تر إلى أم سليم معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تصنعين به يا أم سليم؟ " قالت: أردت إن دنا مني أحد منهم طعنته به
كان أصحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رِجالًا ونِساءً يَحرِصون على طَلبِ الجهادِ والشَّهادةِ في سَبيلِ اللهِ، كلٌّ بما يَستطيعُ وبما يَسَّره اللهُ له.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أنسُ بنُ مالكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ أُمَّه أُمَّ سُلَيْمٍ رَضيَ اللهُ عنها «اتَّخَذَتْ يومَ غزوةِ حُنَيْنٍ خِنْجَرًا»، أي: جَعَلتْ معها سِلاحًا، والخِنجرُ: هو السِّكِّينُ الكبيرُ ذو حَدَّينِ، وكانت هذه الغزوةُ في السَّنةِ الثَّامنةِ للهجرةِ بيْنَ المسْلِمين وقَبيلتَي هَوازنَ وثَقيفٍ في وادي حُنَينٍ بيْنَ مَدينةِ مكَّةَ والطَّائفِ، فرَآها زَوْجُها أبو طَلْحَةَ رَضيَ اللهُ عنه بهذه الهيئةِ، فأخْبَرَ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنها، فسألها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «ما هذا الخِنْجَرُ؟» فأجابتْ أنَّها إنِ اقتَرَبَ أحدٌ منها مِنَ المشرِكين «بَقَرْتُ» أي: شَقَقْتُ، به بَطْنَه؛ فضَحِك صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لغَرابةِ الأمرِ، فالمرأةُ عادةً تَخافُ السِّلاحَ، ولا تَقْوى على استعمالِه، ولا تَقْوى على رُؤيةِ الدَّمِ والقتْلِ، ثُمَّ قالت أُمُّ سُلَيْمٍ: يا رسولَ الله، اقْتُلْ مَن بَعْدَنا مِنَ "الطُّلَقَاءِ" وهم الَّذِينَ أَسْلَمُوا يومَ الفَتْحِ مِن أهلِ مَكَّةَ؛ سُمُّوا بذلك؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَنَّ عليهم وأطْلَقَهم، وكان في إسلامِهم ضَعفٌ، فاعتَقَدَت أُمُّ سُلَيمٍ أنَّهم مُنافِقون وأنَّهم استَحقُّوا القتلَ بانهزامِهم، أو كانوا السَّببَ في الهزيمةِ في حُنَينٍ الَّتي وَقَعَت للمسْلِمين ابتداءً؛ حيثُ ظَهَر منهم الضَّعْفُ والفِرارُ مِنَ القِتالِ في أوَّلِ مَعْرَكَةٍ بعدَ دُخولِهم في الإسلامِ وهي غزوةُ حُنَيْنٍ، ومعنى «مَن بعْدَنا» مَن وَراءنا، ومَن سِوى المسْلِمين الَّذين جاؤوا مع الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في الفتحِ، وهذه الكلمةُ أيضًا مِن أُمِّ سُلَيمٍ غَريبةٌ على النِّساءِ.
فقال لها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «يا أُمَّ سُلَيْمٍ، إنَّ الله قد كَفَى وأَحْسَنَ»، يعني: أنَّ الله عزَّ وجلَّ قد كفانا أَمْرَهم وأَحْسَنَ في ذلك بالنَّصرِ بعْدَ الهزيمةِ، فلا نُسِيءُ نحن.
وفي الحديثِ: حُسْنُ خُلُقِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورحمتُه ورِفْقُه.
وفيه: شَجاعَةُ أُمِّ سُلَيْمٍ رَضيَ اللهُ عنها وجِهَادُها في سبيل الله، وغَيْرَتُها على الإسلام.
وفيه: خُروجُ المرأةِ إلى الجهادِ مع زَوجِها وحَملِها السِّلاحَ.
وفيه: بَيانُ أنَّ اللهَ سُبحانه وتَعالَى أنْجَزَ ما وَعَدَه رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن النَّصرِ، والإعزازِ، وقَهرِ العدوِّ.
وفيه: بَيانُ ما كان عليه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن الحِلمِ والصَّبرِ.